Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

هل تقضي (الصحوة) على أمريكا؟!

A A
استطاع جو بايدن، الرئيس الأمريكي، أن يُوحِّد أوروبا - مع استثناءات بسيطة - خلفه في وجه الغزو الروسي لأوكرانيا، في عملية سياسية مثيرة، وخلال وقتٍ قصير، بعد أن دفع أوباما وترمب، الرئيسين اللذين سبقاه، أوروبا بعيداً، وتراجعت أمريكا خلال عهديهما، وأساءت إلى الأوروبيين وقادتهم، بالتحقير والشتم، وتسبَّبا بحروبٍ اقتصادية ضد أوروبا، وسحبا قوات أمريكية من المسرح الأوروبي. وإذا ببايدن يُعيد العلاقات الجيدة مع الأوروبيين، ويعيد الهيمنة الأمريكية على القارة العجوز، ويرسل لها القوات والسلاح، ويدفعها لتمويل حرب أوكرانيا ضد روسيا، وإرسال أحدث الأسلحة لها، وتزويدها بالخبرات العسكرية والقتالية عبر مدربين يُرسَلَون إلى أرض المعركة، وجلب قوات أوكرانية تتدرَّب في الأراضي الأوروبية. وتمكَّن من إبقاء أوروبا خلفه في هذه المهمة، رغماً عن الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي أصيب بها الأوروبيون.

هل يستطيع هذا الرئيس العجوز - الذي تمكَّن من الإقدام على تغيير معالم السياسة الخارجية الأمريكية - أن يقضي على الخلاف الخطير الذي تسبَّب به نُخب ليبرالية متطرفة داخل المجتمع الأمريكي، ويقود بلاده إلى وضع أفضل؟.. أم أن الهجوم القاسي الذي تُمارسه وسائل الإعلام الأمريكية عليه، وتُصوِّره بأنه رئيس ضعيف، لن تُمكِّنه من ذلك، رغماً عن المخاطر التي تُشكِّلها هذه النخبة المتطرفة على أمريكا ومكانتها ومستقبلها؟، عبر إثارة ما سُمِّي بحربٍ (ثقافية)، أخذت تُحوِّل الأطفال في المدارس الأمريكية إلى حقول تجارب لأفكار غريبة تتعلق بالجنس بشكل رئيس، وتنتسب هذه الطبقة من النخب الأمريكية إلى عدد من الأثرياء وأولادهم المثقفين، الذين يرون أن القيم التي يبنى عليها النظام الليبرالي القائم أدَّت - بسبب مشاركة الأوروبيين فيها - إلى فشل نشر (القيم الغربية) في العالم، لأن هؤلاء تدفعهم نرجسيتهم إلى تناسي الدور الاستعماري، الذي كان لهم في مختلف أنحاء العالم، مثلما هو الحال بالنسية لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم. لذا يرون أن العالم يجب أن يحظى بالقيم التي يرونها صحيحة، وتشمل حقوق الشواذ بمختلف أشكالهم (LBTQ)، وحرية الإجهاض لمن رغب من النساء، وحرية التعبير بما في ذلك دعوات البغاء على الإنترنت.

هذه النخب من الأثرياء يدعون إلى ما أطلقوا عليه (WOKE)، أي الصحوة، وكتب أحد المفكرين الأمريكيين مقالاً في صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الحادي عشر من الشهر الحالي (يوليو)، وهو «والتر رسل ميد»، تحت عنوان: «الصحوة هي سلاح بوتين»، يقول فيه: «إن هدف بوتين والرئيس الصيني تشي وصديقهما الحميم الإيراني، تحطيم ما يرونه هيمنة غربية عالمية بقيادة أمريكا، وأن الاضطراب السياسي للغرب (بما فيه ما تُثيره نخب الصحوة)، هو السلاح السري الذي يعتقد قادة روسيا والصين أنه سيؤدي إلى تركيع النظام الليبرالي العالمي». ويقول: «إن قيم (الصحوة) تُحيِّر وتُسيء إلى قيم البلايين من البشر حول العالم، يضاف إلى ذلك حجب المؤسسات المالية تمويل استخراج الوقود الأحفوري، وتصفيته في الدول النامية الذي يُثير النخب والمواطنين في تلك البلدان. وأنه إذا سعى بايدن إلى جعل هذه القيم جزءاً من قائمة القيم للنظام الليبرالي العالمي، فإنه سيؤدي إلى اصطفاف دول العالم خلف الرئيس الروسي بوتين».

وأشار كُتَّاب آخرون، إلى أن جماعة الصحوة، هم نُخب من المثقفين، وشديدو الثراء، الذين استفادوا في الثمانينيات؛ حين قامت البلاد بتصنيف نفسها بمناطق سكانية؛ يسكنها مَن يتشابهون في التفكير السياسي الواحد، ولم يحتاجوا لأن يدخلوا في تسويات مع المحافظين الاجتماعيين، وعزلوا أنفسهم في جزر خاصة بهم، ولم يشعروا بالحاجة للحديث مع الأمريكيين الآخرين وسط البلاد؛ الذين اعتقدوا أنهم مُتخلِّفون، بل قرَّروا المضي فيما هم فيه، ليشعر أولئك بالخزي مما يعتقدونه، ومضوا في إيصال أبنائهم إلى وظائف هامة في الدولة والقطاع الخاص، والكثير من الوظائف في التكنولوجيا، واستولوا على وسائل الإعلام، وصناعة الترفيه، ليُحوِّلوها إلى أدوات للدعاية لما يُبشِّرون به، واعتبروا المحافظين في وسط أمريكا وجنوبها؛ والطبقة العاملة البيضاء، أعداءً للتقدُّم. وتمكَّنوا بذلك من الدخول في معارك الصحوة التي يُديرونها الآن في الجامعات والمدارس، وأجهزة الإعلام.

فهل يمكن لبايدن - الذي نجح في أوروبا - إنقاذ بلاده من النخب القوية هذه؟، أم أن البلاد بحاجة إلى قيادة جديدة متماسكة وقوية؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store