Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

بين التملّق والاحترام

A A
مهما حاول بعضهم المُراوغة والإنكار، فإن «التملّق» يوصل المرء إلى مكانةٍ يريدها بمجهودٍ أقلّ، وطرق مُختصَرة سريعة. ويفوز المُتملّق - عادةً - بحظوات مادّية واجتماعية؛ ومناصب متقدّمة أكثر من غيره، وقد يصل الأمر إلى أن يخطب ودَّه الإعلامُ، وكثيرٌ من المتنفّذين والوجهاء، بصورةٍ تعزّز مكانته، وتُكرّس لدى العوام سلوكه القبيح. عموماً، ليس ذلك بمُستغرَب، إذ يرى (ابن خلدون) أنّ التملّق لذي سلطانٍ أو جاه، من أسباب السّعادة والكسب، وقد مارسه هو بنفسه في حياته – كما فهمت – بصورة عملية!.

ونتيجة تقهقر الفُرَص الإبداعية ومستوى الحرّيات الشخصية، وانتشار التوجّس والخوف، وقصور قُدرة الأنظمة الاجتماعية والتعليمية على منح المتميّزين الموهوبين حريّة التفكير والابتكار، يُمكن لمجتمعٍ من الناس أن يدخل في مرحلة جمودٍ وكسلٍ وميوعة أخلاقية، وانتشار التنافس غير الشريف، ويُصبح من السّهل على أحدهم أن يتخلّق بالتملّق، فبغيره قد يصعب حصوله على استحقاقاتِه الوظيفية، ومكانتِه الاجتماعية، ومطامِعه الشخصية.

ويعود سلوك «التملّق» إلى شعور المرء بالدُّونية، وافتقاده عزّة النفس، وافتقاره للمواهب والقُدْرات الفكرية والعلمية والمهنية للتميّز والنجاح، فيتحمّل الإهانات التي تُفرَض عليه، ويلجأ إلى إظهار التأنّق في الكلام، وكيْل المَديح لمَن يفوقونه مالاً ومكانة، طمعاً في استجلاب عطفهم واستحسانهم ورضاهم، متأمّلاً الحصول على حظوات اجتماعيةٍ أو مالية، وهي وسيلةٌ تكاد تكون موثوقةً لمن يجرّبها مراراً وتكراراً، ويبرع في أدائها حتى تصير له طبيعةً ثانية، بعد أن تمّ له بنجاح قتلَ إحساسه بكرامته، ولو مؤقّتاً.

ومفهوم «التملّق» يختلف عن مفهوم «الاحترام»، في أنّ الاحترام يُبذَل لذات الشخص ومكانته بشكل مُنضبط من غير إفراط، وإظهار التقدير له لاستحقاقه، من غير انتظار المُقابل ولا تحصيل منفعة، كما أنّ الاحترام والتقدير لا يمنعان المرءَ من بذل النصيحة، بل وإظهار الانتقاد بصورةٍ موضوعية غير شخصيّة، بغَرض الإصلاح والتحسين، وليس بغَرض التحقير أو التشفّي.

يقول الإمام (عليّ بن أبي طالب) رضي الله عنه في نهج البلاغة: «الثناءُ بأكثر من الاستحقاق مَلَق، والتقصير عن الاستحقاق عيّ أو حسد».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store