Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عندما يصبح القتل مادة للفرجة !

صحيح أن ثورة الاتصالات نقلت البشرية إلى أفق غير محدود من المعلومات ، مما أدى إلى نهاية عصر التعتيم بشكل شبه كلي .

A A

صحيح أن ثورة الاتصالات نقلت البشرية إلى أفق غير محدود من المعلومات ، مما أدى إلى نهاية عصر التعتيم بشكل شبه كلي . لكن وبالمقابل فإن هذه الثورة كان لها انعكاسات نفسية قد لا نستطيع قبل عقود ، أن نحدد مدى أو طبيعة ما ستتركه من آثار سلبية على الناس .خذ عندك الثورات العربية وما يصاحبها من مشاهد قتل مروعة تقوم الفضائيات وبعض مواقع الإنترنت كاليوتيوب مثلا ، بعرضها بصورة مستمرة . وتأمل طبيعة التأثير التي تحدثه هذه المقاطع عند عرضها للمرة الأولى ، ثم قارن بين طبيعة هذا التأثير وبين التأثير الذي تتركه في كل مرة يتم إعادة مشاهدتها من خلاله .على سبيل المثال فُجع المشاهدون على اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم السياسية بمشهد السيارة الديبلوماسية الشهيرة التي دهست عددا من المتظاهرين السلميين في أحد شوارع القاهرة . لكن المشهد وغيره من المشاهد والمقاطع التي وصلتنا من مصر وليبيا واليمن وسوريا ، اكتسب مع الوقت طابعا هو أقرب إلى الحياد ..! والمشاهدون أصبحوا يتعاطون في كل مرة تعاد فيها مثل هذه النوعية من المشاهد ، بعين المتفرج الذي يسعى إلى إدراك كل ما فاته من تفاصيل دقيقة دون أن يحتفظ بنفس درجة ردة الفعل الأولى التي كان يمتزج فيها الحزن بالرعب بالاشمئزاز بالغضب ..! أي أن عنصر الفرجة طغى على إحساس المشاهدين ودوافعهم في إعادة مشاهدة هذه المقاطع .. وهو مؤشر له دلالة سلبية لا حدود لها .. لأن الشعور بالإثارة يبقى هو الدافع الأول وراء الفرجة ، أما الدافع الثاني فهو الحصول على التسلية أو الترفيه ، وإن كان من الصعب على من ينشد الفرجة أن يعترف بذلك أو يتقبله أو يصدقه !لقد تعايشنا مع أعمال القتل والإجرام ، وأصبحنا نتنفس هواء ملوثا بالإرهاب . الدم فقد في وجداننا قيمته وقدسيته وأصبح مجرد بقعة حمراء لا تختلف عن البقع الخضراء والزرقاء والصفراء إلا من حيث اللون .. والقتل أصبح خبزنا اليومي الذي تقتات عليه أبصارنا وبصائرنا دون أن يحرك في وجداننا الحميّة الإنسانية التي يشعر بها الشخص السوي عند متابعته مشهدا يتم فيه قتل إنسان برئ بمنتهى الوحشية . إحذروا .. فالعادة ستوصلنا إلى البلادة .

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store