Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

هذا البلد

A A
حين نكتب عن مكة المكرمة سيدة المدائن، بيت الله الحرام، يكون للحديث عنها سِمتٌ خاصٌ، تجلِّله قدسية المكان المُعبقِ بروحانية الزمان. فما تكتنزه هذه المدينة العريقة يجعلها كتاباً مفتوحاً من الأحداث المسترسلة التي تحكي التاريخَ وتروي حديثَ المكانِ وثقافته النابضة بمعارف قاطنيه وقيمهم وأخلاقهم وإبداعهم في رسم الجمال، بدءاً برفع قواعد البيت ونزول الرحمات التي جعلت منها بلداً آمناً تُجبى إليه الثمرات، وليس انتهاءً بنور الإسلام الذي أضاء الكون كله بالبهاء والعطاء.

تركت العنانَ لقلمي كثيراً ليحلِّق في آفاق مكة، فوجدتني أطوف به حول مكة التراث والجغرافيا والتاريخ فيرسم بمداده ما سكن الجوانح من ثقافة تجذَّرت في أفياء هذه المدينة الطاهرة.. فهنا دحال مكة وحاراتها، وهناك عادات أهلها المضمَّخة بجلالها وجمالها وقد شكلت منظومة تربوية من النّبل والأخلاق التي انداحتْ على حياة قاطنيها حتى في ممارساتهم العملية وحرفهم اليدوية، ثم إبداعهم المعرفي الذي يؤصل للحضارات التي تحكي التاريخ.

تزدان الصورة في مكة المكرمة أيضاً كل عام، مع ذلك الموكب المهيب، موكب الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، قال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: «رَّبَّنَاَ إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيِّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِمُواْ الصلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إليْهِم»، حيث بياضُ القلوب قبل الأجساد، هنا تقشعر الأبدان وترتجف الأيدي والأقدام وتشرئب الأعناق كشموخ البنيان من ذلك المشهد.. ولمَ لا؟

وهم في البيت الحرام أول بيت وضع للناس فيه آيات بيِّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً، قبلة القلوب والأرواح، حيث أبواب السماء مفتوحة تحملق فيها الأنظار ترجو رحمة من الله ورضواناً.

وجدتني في كل هذا أفتش في أضابير التاريخ وأنتقي باقة من أدب الرحلات التي وصفت أدق المشاهد وروت أجلَّ التفاصيل عن «أم القرى» «البلد الحرام» فعزفت ألحان الخلود بإيقاع روحاني لعلها تنقل جزءاً من لوحات مكة المكرمة الجمالية.

فدعونا نستمع إلى أصوات الأماكن المقدسة، ونقرأْ صفحات الزمان، ونَطُفْ بين أروقة التاريخ، ونغذِّ خطانا فوق تضاريسِ مكة المكرمة التي مشى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، محلقين في سماء الأدب والفكرِ والإبداع.. فلعلنا نقتسم بقدر الحب صور الجمال والجلال التي روت الكثيرَ عن (هذا البلد).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store