Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

كاوتـــــــــش

A A
خلال كتابتي لهذه السطور، أجلس فوق أربع عشرة عجلة من أغلى عجلات العالم.. كل منها تكلف في المتوسط ما يقارب العشرين ألف ريال، ولا عجب في ذلك، فهي خاصة جدا ومغطاة بأحد أفضل الغلافات المطاطية.. وبمشيئة الله تحمل وزن طائرتنا البوينج 777 البالغ حوالى ثلاث مائة وثلاثين ألف كيلوجرام.. وستتحمل بلطف الله تسارع الطائرة على مدرج مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة؛ لتصل إلى سرعة حوالى ثلاثمائة كيلومتر في الساعة بدون أي دراما.

وفي الدول العربية نطلق أسماء مختلفة على الغلاف المطاطي.. دولاب في الشام.. بنّو في المغرب.. كاوتش في مصر.. وكًفَر في الوطن. وبالنسبة لي شخصياً أعشق الاسم المصري، لأنه مشتق من الكلمة الفرنسية للمطاط، وهي «كاوتشوك»، وتُعبِّر عن الشجرة الباكية.. وهذا الوصف الجميل ينبع من عصارة شجرة المطاط التي تفيض بالخير، لتبدو وكأنها «دموع» الشجرة. وتذكرت أنني لابد أن أشتري مجموعة كفرات جديدة لسيارتي، ويبدو أن أسعارها في ارتفاع دائم عبر السنين، علما بأنني أقيسها الآن كنسبة من أقساط المدارس.. وطبعاً هناك مبررات لارتفاع أسعارها، وهناك قصص كثيرة عن الكاوتش، ولكن أغربها تأتينا من عالم التسويق، وهي تستحق وقفات تأمل، وإليكم ملخصها: تأسست شركة «نوردستروم» في غرب الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، وهي متخصصة منذ تأسيسها إلى اليوم في بيع اللوازم الاستهلاكية الراقية الخاصة، مثل الملابس، والأحذية، والمكياج، والعطور.

وتتميز الشركة في خدمة الزبون بطرق إبداعية ومميزة جدا. وإحدى القصص المشهورة عنها أن أحد الزبائن دخل قسم خدمة العملاء وبحوزته كاوتش سيارة.

وكان غاضبا لأنه بعد بضعة أشهر من الاستخدام، كان الكفر مهترئا، ولم يكن على مستوى الأداء المطلوب. وعندما حاول الموظف المسؤول أن يحصل على معلومات أكثر تفصيلا، تعالى صوت الزبون، وشكك في جودة المنتجات التي تبيعها الشركة، علما بأنه لم يكن يحمل أي إثبات للشراء.

وتدخَّل مدير القسم فوراً، فوافق على إعادة مبلغ شراء الدولاب للزبون فوراً بدون وجود أي أوراق إثبات الشراء، وانتهت الأزمة.. ولكن القصة لم تنته.. وإليكم المفاجأة: شركة «نوردستروم» لا علاقة لها بالكاوتش.. ولم تبع خلال تاريخها ذلك المنتج، ولا أي منتجات أخرى ذات علاقة بالسيارات.. الواضح أن الزبون أخطأ في المحل بأكمله، ولكن ردّة فعل قسم علاقات العملاء كان مبررها في منتهى البساطة.. الزبون أولا.. ولا مجال للخلافات، والغضب، والصوت العالي في تلك المحلات الراقية.. وخسارة استرجاع سعر الإطار كان أقل بكثير من مكاسب الشركة، ومنها: المحافظة على السمعة المتميزة أمام الجمهور، الارتقاء بالسمعة المتميزة لموظفي الشركة، التأكيد على الصلاحيات الممنوحة لخدمة العملاء، والتأكيد على رقي بيئة المكان.. والأهم من ذلك أن هذه القصة لاقت الرواج السريع الواسع الانتشار؛ لدرجة أن بعض أقسام خدمة العملاء في تلك الشركة أصبحت تُعلِّق كاوتش على الحائط للتذكير بهذه القصة العجيبة، بالرغم من مرور أكثر من أربعين سنة على وقوعها.

* أمنيــــــة:

الحمد لله أن خدمات العملاء في بلدنا أصبحت تُطبِّق بعضا من أفضل الممارسات العالمية في القطاعين الخاص والعام أيضاً، ولكن أتمنى أن يتوسع نطاق تلك الخدمات، وأن نشهد المزيد من الارتقاء. ومما لاشك فيه أن قصة الكاوتش أعلاه تُمثِّل إحدى أقصى درجات كسب الزبون، وليس بالضرورة أن نصل إلى ذلك المستوى، ولكن هناك العديد من مجالات الإبداع للارتقاء بمستوى الخدمة بما يرضى الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store