Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

القراءة الرّوحية

A A
- القراءةُ ليست مُجرّد هوايةٍ لتمضية وقت الفراغ.. بل أسلوب حياةٍ روحية، وأداة ضبط الانفعالات وشحذها، وهي في الوقت نفسه، وسيلة حفاظٍ على حياة العقل، ومنعه من الإصابة بالعته والجنون.. إنها ضرورةٌ وليست رفاهية.

- مع الانتظام في القراءة والاطلاع، لا يزدادُ المرء علماً بالضرورة.. فكلّ يومٍ تزداد المعلومات وتتضاعف قيمة المعرفة وأصنافها، وتُضاف إلى العلوم بحورٌ أخرى لا يمكنه استيعابها. لذلك، يمكنني القول: إنّ الإنسان بالقراءة والاطلاع، يبتعدُ قليلاً عن نقطة الجهل.. فحسب.

- يقول الكاتب السّاخر (محمود السّعدني): «والحقيقةُ التي اكتشفناها بعد فوات الأوان، هي أننا لا نعرف شيئًا، وأنّ ما نعرفه هو أقلّ ممّا يجب، وأتفه مما ينبغي، وأنّ الكتب كثيرة والعمر قصير، وأنّ المعرفة طريقٌ ليس له نهاية، بينما الإنسان يُولد ليموت، وأنّه يقرأ لينسى، ويتعلّم ليكتشفَ في النهاية أنّه أصبح أجهلَ مما كان».

- وعن نفسي، فأنا أقرأ لكي تنتشلني القراءةُ من الفناء؛ في التيار الجارف للعبَث والابتذال، وإنّ أكثر ما يُثيرني في القراءة والاطلاع، تلك النشوةُ الفكرية واللذة الصوفية الوجدانية العارمة، في الاندفاع المحموم باتجاه الحقيقة الغائبة، يقول الكاتب الأمريكي (جون غرين):» إنّ القراءة تُجبرك على أن تكون هادئاً في عالمٍ لم يعد يسمح بذلك».

- ويا عزيزي، إذا كنتَ تقرأُ الكتب التي تدعم مُعتقداتك، وتردّد قناعاتك، وتعزّز ثقافتك، وتُرضي جماعتك فحسب، فلا تقرأ.. وإذا كنتَ تصدّق كل ما تقرأه في الكُتب، فلا تقرأ.. وإذا لم تستفزّك الكتب التي تقرأها، فلا تقرأ.. أمّا إذا لم تُشعرك الكُتب بالبهجة.. فلا تقرأ أيضاً، أرجوك.. لا تقرأ!.

هناك مثلٌ روسي يقول: «فليحمِنا الله من الرّجل الذي قرأ كتاباً واحداً فقط!».

- وعموماً، في العالم المثالي، ليس من وراء القراءة غرَض.. فلا تبحث عن سبب.. اقرأ من أجل القراءة فحسب، يُرشدنا الشاعر الروسي (بوريس باسترناك) إلى هذه الفكرة فيقول: «لا تقرأ كما لو أنّ القراءةَ أرفعُ نشاطٍ بشري.. بل كما لو أنّها أبسط شيءٍ في الحياة»، فاللهم نهَم القراءة.. وحبّ الاطلاع.. وحِكمة المعرفة.. اللهم آمين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store