Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

لاقينــــي

A A
(لاقيني ولا تغديني)، من الأمثلة الحجازية الجميلة، بل ومن أقواها على الإطلاق، لأنها موجودة في العديد من الحضارات، كلٌّ بحُلتها المختلفة، وعندي قصة أغرب من الخيال تُجسِّد هذا المبدأ، وهي حقيقة دارت أحداثها قبل حوالى ثلاثين سنة.. حيث كنتُ أعمل في الولايات المتحدة مؤقتاً ومعي زوجتي وابني؛ الذي كان في الصف الرابع الابتدائي.. في أحد الفصول تم تكليفه في الواجب المدرسي بكتابة رسالة إلى مسؤول، مثل مدير المدرسة، أو رئيس البلدية، أو مدير الشرطة، للاستفسار عن أي موضوع يختاره الطالب.. وكان ولا يزال ابني «رعد» يتمتع بالطموحات الكبيرة، فكتب رسالته إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية «بيل كلينتون».. وكان استفساره عن قضايا مكافحة المخدرات.. وركز فيه على الاستفسار عن إجراءات حلَّها من جذورها.. وكانت هذه مفاجأة بالنسبة لي وبالنسبة للمدرسة أيضاً.. ولكن المفاجأة الأكبر كانت وصول الرد من البيت الأبيض على خطاب ابني «رعد» بعد حوالى أسبوعين.. جاء الخطاب بتوقيع الرئيس «كلينتون»، وكان مكوناً من صفحتين بتفاصيل دقيقة، شرح فيها مجموعة إجراءات على المستويات الدولية، الوطنية، والإقليمية، والمحلية.. وكان أول خطاب موجهاً إلى الطفل «رعد» من رئيس الولايات المتحدة.. ولكنني حذَّرت والدته من الفرحة الزائدة، لأن البيت الأبيض يستلمون عشرات، وربما مئات الخطابات، المُوجَّهة للرئيس يومياً، ويتم الرد عليها من المكتب الإعلامي المتخصص، وبالتالي، فالغالب أن الخطاب لم يكن من الرئيس شخصياً، بالرغم من وجود التوقيع عليه.. ولكن المفاجآت لم تتوقف هنا، فخلال عشرة أيام جاءتنا مكالمة على هاتف منزلنا الخاص من مكتب مكافحة المخدرات في الولاية، التي كُنَّا نُقيم بها، وطلبوا التحدُّث مع ابني «رعد».. وكان المتحدث جاداً، وصوته جهوراً ورسمياً، فشرحتُ له أن ابنى طفلاً، وأنه في المدرسة، ولا علاقة له بالمخدرات.. وجاء ردَّه أن الموضوع يخص «رعد»، وأنه سيُعاود الاتصال به.. الشاهد أن هذا المسؤول اتصل بـ»رعد»، ثم قام بترتيب زيارة إلى المدرسة، قام فيها بتقديم مجموعة عروض عن مكافحة المخدرات على المستويات المختلفة، وذكر أنه تلقَّى توجيهات من البيت الأبيض حيال ذلك.. قصة أغرب من الخيال، ولكنها حقيقية بكل تفاصيلها.. وأكثر.

فضلاً، لاحظ أن ما ورد أعلاه يعكس العديد من روائع التعامل.. ومنها فتح الباب للمخاطبة، وبالذات للأجيال الجديدة.. والجدية في الردود وسرعتها، علماً بأن هذا كان قبل عصر انتشار الإنترنت والجوالات.. ويعكس أيضاً روعة المتابعة الجادة.. وكل هذا يصب في بلورة مبدأ (لاقيني ولا تغديني).. تخيَّل لو حصل كل سائل، مهما كان صغيراً، على الاهتمام.. وتخيَّل لو حصل على المتابعة الجادة.. وأضيف هنا أن الموضوع لا يدخل في إطار «جبر الخواطر».

أمنية:

أتمنى أن يُعاد النظر من جميع أطياف المجتمع في الاهتمام بالاستفسارات، حتى وإن كانت تبدو وكأنها بسيطة، وأن تتم متابعة تلك الاستفسارات بجدية، لأن المتابعة من الأنشطة التي تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والتنقيح.. وهي من سمات الرقي على جميع المستويات بتوفيق الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store