Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

في بيتنا كلب!

A A
في عصر الاتصال والتواصل والأجهزة الذكية، تبدَّلت المفاهيم وتمازجت الثقافات، وذاب بعضها في بعض، وكانت الغلبة للثقافات التي تأتي من المصدِّر الأقوى، صاحب قدم السبق في علوم العصر، ومخرجات العلم وتقنياته. وثقافة تربية الكلاب في المنازل تأتي ضمن الثقافات المتقادمة والمستمرة، وهي ثقافة كانت سائدة لدى العرب، وخاصة في البوادي والأطراف، ثم جاء الإسلام، وهذَّب وجودها، بحيث لا تُقتنَى الكلاب إلا في حالات ضيقة، كالصيد والحراسة، والضرورات التي تتطلب وجودها في المنازل. المقلق -لنا نحن المسلمين- في مسألة تربية الكلاب في المنازل (لغير ضرورة)، هو ما نص عليه حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي أبان فيه أن أجر مقتني الكلب في المنزل ينقص منه كل يوم قيراطان، أو قيراط، وأيُّنا لديه الاستعداد لينقص من أجره مثقال ذرة، فضلاً عن قيراطين كل يوم؟.. وتربية الكلاب في المنازل لها فوق ذلك أضرار صحية متعددة، ويكفي ما تُسبِّبه عضة الكلب من سعار، يجعل الإنسان في وضع صحي متردٍّ، وربما يُشارف على الهلاك.

لا أدري ما هي مبررات الذين يقتنون الكلاب في منازلهم؟، وما هو الشعور الذين يشعرون به حين يتأبطون كلابهم، أو حين تتبعهم، أو حين تتبوَّأ أماكن مُعتنى بها في منازلهم، أو حين يحجزون لها مقعدًا وثيرًا في سياراتهم؟، حتى قيل إن بعض هؤلاء المقتنين للكلاب ربما لن يجد والداه (أمه وأبوه) من العناية والرعاية ما وجدته هذه الكلاب.

لستُ هنا في مقام الواعظ، إنما في مقام المتسائل عن مسببات هذا الافتتان، ثم الاقتداء (لبعض) ما يفد إلينا من ثقافات عابرة حملتها رياح العولمة عبر منجزات التقنية، ووسائل التواصل، وعندما أقول (بعض ما يفد)، فهذا البعض المُقتدَى به انحصر في الجانب غير الإيجابي (القشور)، لثقافات الآخر وعاداته.

الآخر لديه عادات رائعة جديرة بالاقتداء بها، كالنوم مبكرًا، والالتزام بالنظام والنظافة وغير ذلك، ولديه مَلَكات عالية تستحق أن نحاول الوصول إليها، كالمهارات الفكرية والرياضية وغيرها، ولديه منجزات باهرة بزَّ بها العالَم، وتستحق أن نخطو الخطوات نفسها لننجز مثلما أنجزوا، أو أفضل مما أنجزوا، كالتقنيات الحديثة ووسائل النقل، والأسلحة المتطورة وغيرها.

ويعيد التساؤل نفسه: ما سر الافتتان والاقتداء بالثقافات الهامشية (القشور) لدى الآخر؟، وما هي الانعكاسات المترتبة على هذا الافتتان والاقتداء؟، وهل هي إيجابية أم سلبية؟، ولماذا لا نفتتن ونقتدي بالثقافات (النافعة الفاعلة) لدى الآخر؟، يبدو أننا نميل في عملية الاقتداء للجوانب السهلة التي لا تتطلب مهارات عقلية، ولا همة عليَّة، ولا قوة جسدية، ونظن أننا بهذا ماثلْنا الآخرَ، وأصبحنا على قَدم المساواة معه، وهو ما يُؤهِّلنا ويجعلْنا -كما نتوهم- مستحقين لما استحقه الآخر من التبجيل والإكبار والهيبة، والواقع أنه لا مقارنة بين (شخصٍ منَّا) تَبِعَهُ كلبٌ يلهث، (وشخصٍ منهم) تَبِعَتْهُ منجزات علمية نافعة وفاعلة تخدم البشرية، وتترقَّى بها.

لا أظن هذا الافتتان والاقتداء بقشور الآخر جاء إلا نتيجة عجز تام عن الاقتداء بالجانب الإيجابي النافع لدى الآخر، وربما جاء نتيجة هزيمة نفسية لدى هؤلاء المفتونين؛ الذين وجدوا أنفسهم في شراك التبعية العمياء للآخر، وربما هو حالة من البحث عن مكانة في عيون (رَبْعنا وجماعتنا)، حتى لو كان ذلك مجرد اقتداء بقشور الآخر. ومهما يكن.. فيبدو أن هذا (الافتتان والاقتداء) سُنة ماضية من سنن الله في خَلْقه، ولن يقف الوعي في طريقها، وكل ما يُمكنه أن يفعله الوعي هو التقليل منها وتأخير تفشِّيها. وصدق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: لتتبعنَّ سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضَبٍّ لسلكتموه. قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ وما تربية الكلاب في المنازل ولبس الرجال للسراويل القصيرة -حتى أصبح لابس الثوب نكرة في الشارع- إلا مثالان فاقعان للمتَّبِعِين المهرولين لجحر الضب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store