Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

بين دائرتي «اليسار المتطرف والنيوليبرالية»

A A
لا شك لديَّ بأنه أينما غاب الاعتدال وحل التطرف -أياً كان اتجاهه- فإن النتيجة حتماً ستكون سيئة، ولا تُحمد عُقبَاها، وهو أمر يمكننا اليوم رؤيته في دائرتين تزداد كل منهما اتساعاً وتغلغلاً في كثير من الدول حول العالم، دون وجود ما يكفي من إجراءات لوقاية المجتمعات من تأثيراتهما السلبية، المتمثلة في وجود فِكر مشترك يجمع بينهما -بتطرُّف- وهو فِكر يستهدف تحييد القيم والأخلاق، أو حتى تدميرها في بعض الجوانب.

فبالنسبة للدائرة الأولى، فإنها تشمل تطرُّف اليسار، الذي يضع ضمن أهدافه المعلنة: السعي بكل الوسائل لتطبيع وشرعنة الشذوذ دولياً، مستخدماً في ذلك ترسانة من الأدوات لم تعد تقتصر على الإعلام فقط، بل وتشمل ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والرياضية والفنية وغيرها ودون توان؛ حتى عن توظيف الأطفال وألعابهم ومدارسهم.. وهو أمر سبق لي ولكثيرين غيري الكتابة عنه.

ومن أجل ذلك سوف أُركِّز فيما تبقَّى من هذه العجالة، على الدائرة الأخرى التي لم يتم تسليط الضوء عليها بما يكفي، وأقصد بها مفهوم النيوليبرالية أو الليبرالية الجديدة new-liberalism.

و»الليبرالية الجديدة» هي فِكر رأسمالي يقوم على أن الاقتصاد هو أحد فروع العلوم الطبيعية، وبالتالي ينبغي تجريده من أي علاقة بالقيم والأخلاق.

فالقيم والأخلاق وفقاً لهذا الفكر، هما شأنٌ شخصي يتعلق بالفرد وحده، ولا ينبغي للدولة التدخل فيه قطعياً بأي شكل من الأشكال، ومهمة الدولة ينبغي أن تقتصر على ضمان توفير وحماية ظروف نظام الاقتصاد الحر.

ورغم أن جذور هذا المصطلح تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أنه ظل غامضاً، ولم يبدأ في التداول بشكلٍ محدود إلا خلال العقدين الماضيين، رغم تأثيراته القوية على العالم. وفسَّر الكاتب George Monbiot ذلك في مقال له بصحيفة الغارديان قال فيه: «إن أذكى خدعة مارسها الشيطان؛ هي التظاهر بأنه لا وجود له، وهذا تماماً ما تفعله الليبرالية الجديدة».. فأنت قطعاً لا يمكنك مقاومة شيء لا تراه، وليس له اسم!!.

ووفقاً لمارتينيز وغارسيا، فإن أيدلوجيا «الليبرالية الجديدة» تقوم على الأسس التالية:

1- سيادة السوق: ويتضمن ذلك رفع كافة القيود التي تفرضها الحكومات على القطاع الخاص، بغض النظر عن الأضرار المترتبة على الناس.. وتخفيض الأجور، وتهميش حقوق العمال، وعدم التدخل لضبط الأسعار.

2- تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل: التعليم والرعاية الصحية، وبرامج الضمان الاجتماعي، وصيانة الطرق، وخدمات المياه النظيفة والكهرباء، وذلك تحت مسمى تقليص دور الدولة.

3- تقليص التدخل الحكومي في أي شيء قد يخفض أرباحها، حتى فيما يتعلق بمهددات البيئة والأمن الصناعي.

4- القضاء على مفهوم «الصالح العام» واستبداله بمصطلح «المسؤولية الفردية»، والضغط على الشرائح الأفقر في المجتمع، وتوجيه اللوم إليهم باعتبارهم «كسالى وغير منتجين».

5- فرض هذا الفكر عن طريق مؤسسات مالية قوية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

إن دوائر الأيدلوجيات ونماذجها العابرة للحدود لا تنشأ من فراغ، ولا دون قوى وأهداف ومصالح معلنة وأخرى متوارية.. وهي تتطلب منَّا دراسات متخصصة وفهما عميقا، واستيعاب لأُطر العولمة وأدواتها.. وتوظيف كل ذلك لبناء نماذج جيدة خاصة بنا، تتوافق مع مبادئنا، وتخدم مصالحنا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store