Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

المملكة تتمسك بتاريخها.. وتتطلع لمستقبلها

A A
في تناغم فريد، ووصفة مدهشة تثير الإعجاب، تواصل المملكة نهضتها الاقتصادية، وتحديث مجتمعها، وفي ذات الوقت تشهد في الوقت الحالي عدداً من الفعاليات التراثية، متمثلة في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي، ومهرجان ولي العهد للهجن 2022، مما يعكس أرقى أنواع المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، وربط الماضي العريق لهذه الأمة بحاضرها المشرق، استشرافاً للمستقبل، وترسيخاً لجذور الأمة الضاربة في أرض التاريخ.

هذه الرؤية الحكيمة لا تنبع من فراغ، ولم تأتِ صدفة، أو خبط عشواء، بل هي نتاج تفكير سديد، مفاده أن التطلع للأمام والرغبة في الانطلاق نحو فضاءات الحداثة والتمدن ومراقي الحضارة الإنسانية؛ لا يتعارض مطلقاً مع الحرص على ثوابت المجتمع وعاداته وتقاليده، بل على العكس يتماهى معها ويُحقِّق مقاصدها، لأنه يحمي الأجيال الشابة من مخاطر التنازل عن الهوية، والذوبان في ثقافات الآخرين، والانسلاخ من الجذور.

وفي هذا العصر الذي نعيشه، حيث نشهد ثورة المعلومات وعصر الانفجار الثقافي، فإنه لا مجال لأي أمة تريد أن تطرق أبواب المستقبل سوى الحفاظ على تراثها، والتعريف بإسهاماتها الحضارية، وتقديم منجزاتها الإنسانية، فمَن لا يتمسك بتاريخه ويعتز بماضيه؛ سيكون مصيره التلاشي والضياع، ومن لا يتمتع بماضٍ عريق، لا يمكنه إيجاد حاضر مقنع أو مستقبل مشرق، ولن يكون سوى ورقة في مهب الريح، تتقاذفها الثقافات الواردة التي لا يملك من أمره شيئاً سوى قبولها، والإذعان لسطوتها.

وتولي الدولة ممثلة في أعلى مستويات (قيادتها السياسية)، اهتماماً خاصاً بهذه الفعاليات الثقافية، إدراكاً منها لما يمكن أن تُحقِّقه من فوائد إيجابية على مختلف الجوانب، فقد أصبحت قوة محركة تدعم السياحة الداخلية بعد أن نالت سمعة دولية واسعة، وباتت مقصداً للمهتمين بهذا التراث من كافة أنحاء العالم، لا سيما مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يحرصون على المشاركة في السباقات والمنافسات المصاحبة لها، وهو ما أضفى على الفعالية طابعاً دولياً.

هذه الفعاليات يُرافقها حراك اقتصادي وتجاري، وتشهد إقامة فعاليات ثقافية على مستوى عال من التجويد والتميُّز، لذلك لم يكن غريباً أن يحرص سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله - على متابعتها شخصياً، حيث يقتطع من وقته الثمين – رغم تعاظم المسؤوليات وتعدد المشغوليات – ويوجه الدعوة لقادة ومسؤولي الدول العربية لمتابعة الفعاليات، وهو ما أكسبها زخماً شعبياً كبيراً، وسلَّط عليها الأضواء، وجعلها نقطة تركيز وسائل الإعلام على المستويين المحلي والعالمي.

بسبب هذا الاهتمام، أصبحت المملكة قبلة عالمية لمحبي التراث، وهو نجاح يأتي ثمرة لرؤية طموحة تواكب مكانة وتطلعات ملاك الهجن، وعشاق الصقور، والأماكن الأثرية في جميع مناطق المملكة والخليج والعالم العربي، وفي ذلك الكثير من المكاسب التي يمكن تحقيقها، وفي مقدمتها جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعريف العالم بالإمكانات التي تمتلكها بلادنا في مجال السياحة، التي لم تعد مجرد لهو وترفيه، بل أهم وأبرز عناصر الترويج الاقتصادي.

ولا يقتصر الاهتمام السعودي على مجالي الهجن والصقور فقط، بل إن هناك العديد من الفعاليات المماثلة التي تقام في العديد من مناطق المملكة، مثل المهرجان الوطني للثقافة والتراث «الجنادرية»، الذي يتمتع بسمعة دولية، ويؤمه الزوار من كافة دول العالم. وهناك أيضا مهرجان سوق عكاظ الذي يعرض تاريخ وثقافة الإنسان السعودي منذ عهود ما قبل الإسلام.. ولا ننسى أيضا مهرجان شتاء طنطورة في محافظة العلا؛ التي تحتضن آثاراً فريدة لا يوجد مثيل لها في العالم أجمع، إضافةً إلى العديد من الجهود التي تعنى بالتراث، وترميم المناطق الأثرية وفتحها أمام الزوار. ومثل هذه الأنشطة الثقافية والتراثية، أصبحت شاهداً يؤكد أن المملكة تعكس حضارتها للعالم بوسائل حضارية، وتكشف عن إسهامها الثقافي والإنساني الفريد.

لذلك أكرر ما سبق أن قلته في مناسبات سابقة، وهو أن من الخطأ النظر إلى رؤية المملكة 2030 على أنها مجرد خطط اقتصادية أو تنموية، فهي رؤية شاملة متكاملة تتناول جميع أوجه الحياة، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا وعلى كافة الأصعدة، وتهدف إلى تطوير واقعنا واستشراف مستقبلنا بفكر جديد، ونظرة أكثر شمولية، وما هذا النجاح الذي نشاهده في كل أوجه حياتنا إلا ترجمة حقيقية وانعكاسا صادقا لما جاءت به، وكلي ثقة بأن المستقبل القريب سيكون حافلا بنجاحات أكثر؛ سيجني ثمارها المواطن الكريم، وتنعكس على حياة أفراده وأجياله القادمة رفاهية وخيراً ونماء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store