Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الملاحق الثقافية.. روح الصحافة

A A
خطوة مُوفَّقة تبنَّتْها -مشكورةً- أكاديميةُ الشعر العربي، وتمثلت في عزمها إقامة ملتقى #صوب_الملاحق_الثقافية، بدعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة التابعة لوزارة الثقافة؛ بهدف استحضار دور الملاحق الثقافية في تشكيل المشهد الأدبي السعودي، و»تسليط الضوء على نشأة الملاحق الثقافية، وأبرز القضايا الأدبية التي دارت بين أوساط المثقفين، ويستشرف تحدياتها ومستقبلها في المملكة».

موضوع الملاحق الثقافية جدير بالمناقشة وتسليط الأضواء عليه، وقد شكَّل لي -على المستوى الشخصي- هاجسًا؛ وذلك لسببين جوهريين: يتمثل الأول في الدور الفاعل للملاحق الثقافية في تشكيل المشهد الأدبي الثقافي في المملكة؛ فالملاحق الثقافية في الصحف المحلية كانت بمثابة محاضن للمبدعين، ومحطات انطلاق لهم، وكانت تُشكِّل إغراءً لأصحاب الإبداعات الأدبية (الصاعدة)، وكانت قراءتها من قِبَل أصحاب هذه المواهب الصاعدة تُشكِّل تحديًا لهم، يتطور إلى المشاركة الفعلية فيها، نتيجة ما يملكه الصاعدون من إبداع وموهبة أدبية.

السبب الأخير يتمثل في الوضع الحالي الذي وصلت إليه الملاحق الثقافية في صحفنا المحلية، ومعها الصفحات الثقافية اليومية؛ فقبل الثورة الرقمية كانت الملاحق الثقافية تُشكِّل علامة فارقة في معظم الصحف المحلية، لكن بعد هذه الثورة، رأينا كيف اختفت الملاحق الثقافية المشهورة تدريجيًّا من الصحف المحلية، عدا ملحق أو ملحقين ظلا يُقاومان بما يملكان من إمكانات محدودة، ثم لحقت بها الصفحات الثقافية اليومية في أغلب الصحف.

الأمر المُبشِّر بالخير هو العودة التدريجية لبعض الملاحق الثقافية؛ حينما عاد بعضها بمسميات جديدة، وبعضها بمسمَّاه القديم، وذلك في بعض الصحف وبصفحات محدودة لا تتجاوز (الأربع)، وهذه العودة -في ظل الظروف المالية غير الجيدة التي تعيشها الصحف- تُعدُّ مؤشرًا على تنامي حالة الوعي بأهمية الملاحق الثقافية، وهذا أمر مشاهد حتى على المستويين الخليجي والعربي، وهذا ما دعاني -قبل نصف سنة- للكتابة عن هذه الحالة المُبشِّرة، والتوسُّع في خلفياتها، وأهمية الملاحق الثقافية وأدوارها من خلال مقالي المعنون بـ: (الملاحق الثقافية قَدَر الصحف الكبرى)، المنشور في المجلة الثقافية بصحيفة الجزيرة، وفيه ذكرتُ أن هذه العودة جاءت بعد ما تبيَّن للقائمين بأمر الصحف «أن قُرَّاءها -أي الملاحق الثقافية- لا يقلّون -كمًّا وكيفًا- عن قُرَّاء الأقسام الأخرى، بل تبيَّن لهم أنه بالقدر الذي تجوِّد فيه الصحيفة (ملاحقها وصفحاتها الثقافية)؛ تزداد أسهمها لدى القراء، وخاصة الشريحة العريضة من المثقفين، وتبيَّن لهم أنه بالقدر الذي ترتفع فيه سخونة محتوى الملاحق والصفحات الثقافية وإثارتها، فإنه يُقابل ذلك تمدُّد أُفقي للصحيفة، وتداول لاسمها ومحتواها بين القراء بمختلف ميولهم». ورجوت القائمين بأمر الصحف أن «يسترجعوا مَن مرَّ بأقسام الصحف من الأسماء، وما مرَّ بها من أحداث، هل بقي في الذاكرة الجمعية منها ما يوازي مَن مرَّ بالصفحات الثقافية من الأسماء، وما مرَّ بها من أحداث؟، وهل هناك أثر (مادي، معنوي، فكري) خلَّفته تلك الأقسام يُوازي الأثر الذي خلفته الأقسام الثقافية؟».

لن نُغالط الحقيقة حينما نقول: إن الملاحق الثقافية تُعدُّ روح الصحافة وعنوانها الأبرز، ولعل الكثير من القراء يُوافقني على أنه ينتظر إجازة نهاية الأسبوع (الجمعة والسبت)، ليتلقَّف الملاحق الثقافية لصحف (المدينة والرياض والجزيرة وعكاظ)، مع تفاوت بينها في الكيف والكم، ولكنها تجعل من الإجازة حدثًا منتظرًا وربيعًا ثقافيًّا، والمرجو من بعض هذه الصحف أن تزيد عنايتها بملاحقها، وأن تكون مفتوحة لكل الألوان الثقافية؛ لأن الصحيفة ذات اللون الواحد والصوت الواحد والرأي الواحد هي -على رأي هاشم صالح في مقال له بالشرق الأوسط- «مملة جدًّا»، والمرجو من بقية الصحف أن تُعيد لصحفها روحها المفقودة، ولو بإعادة (الصفحة الثقافية) على الأقل.

أما الملتقى، فالمرجو منه أن يخرج بنتائج تخدم الملاحق الثقافية، وتضع لها خارطة طريق، وأن يطرح الملتقى أمام الصحف والمتابعين للشأن الثقافي هذه النتائج.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store