Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

قلوب خارج أسوار البيوت!!

شذرات

A A
قبل عدة سنوات، كان الناس في بلادنا ينامون بعد صلاة العشاء بساعتين على الأكثر، وينهضون من بواكير الفجر الأولى في حيوية ونشاط، حتى إذا ما طلعت الشمس انصرف كل شخص إلى مهماته اليومية.

يقول أحد الأطباء تعقيباً على ما ذُكر آنفاً: كانت معدلات الإصابة بالسكر وضيق الشرايين والعلل الهضمية لا تُذكر أبداً، إلّا أن مجتمعنا الحالي مصاب أغلبه بسبب التهاون في شروط الحياة الطبيعية. ويسترسل في حديثه: بأنه حتى الشبان والشابات من طلبة المدارس والجامعات مصابون أيضاً بداء السهر، وبعضهم يتجاوز سهرُه منتصف الليل بين أجهزة الدردشة وبرامج التلفزيون، وللمداعبة، أقترح قطعَ الشبكة العنكبوتية والكهرباء عن المنازل والاستراحات، لولا خشية فساد الأطعمة في الثلاجات ومخازن التبريد.

إذا ما أخذنا ما يشغل بال المهتمين بالنتائج الوخيمة المترتبة على داء السهر المذكورة آنفاً، وأضفنا لها بُعداً آخر يستهدف العائلات والأسر التي تُعد نواة المجتمع، أنقل لكم ما يقض مضجع الأوطان عن التوجه الذي تسير عليه عائلاتنا، ولا سيما ونحن في زمن مملوء بالذئاب المفترسة، وقافلة البيت تسير بمفردها، كما وصفها كاتب المقال الذي لم أعثر على اسمه.

ويقول: إلى أين؟، تيقظوا، لن يبقى شيء اسمه الأسرة.. بيوت خالية من المشاعر، وجوجل متخم بالمشاعر والحب!، بيتٌ كلُّ فرد فيه كيان مستقل، منعزل عن الآخر، ومتصل بشخص آخر خارج البيت لا يعرفه.. هكذا هي بيوت العنكبوت الواهية، الأب الذي كانت تجتمع حوله العائلة تبدَّل دوره، والأم التي كانت تلملم البيت وتملأه بحنانها ورحمتها تحوّلت وصارت مشغولة أيضاً بالعالم الافتراضي، في بيوتٍ الكلُّ مشغول فيها.

الأبناء يتسولون كلمة إعجاب من هنا ومديحاً مزيفاً من هناك. زمن أصبحنا نستجدي فيه الحنان من الغريب؛ بعدما بخلنا فيه على القريب.

أمٌّ تراقب كل العالم في مواقع التواصل، ولكنها لا تدري ماذا يوجد في بيتها. أبٌ يهتم بكل مشاكل العالم إلّا بيته، فهو لا يستطيع تحليل الجفاف العاطفي والروحي في بيته.

أمٌّ يحزنها ذلك الشاب الذي كتب في تويتر أنه حزين وتتعاطف معه، وهي لا تدري أن ابنتها غارقة في الحزن، وتتأثر بالقصص الوهمية التي يكتبها أناس وهميون.

وأبٌ يخطط لنصيحة شابة تمر بأزمة نفسية، وهو لا يهتم بابنته التي تعيش في أزمات.

وغير ذلك من المواقف، ومرد ذلك أننا نؤدي رسالتنا خارج أسوار البيوت، مع البعيدين، مع الغرباء، مع من لا نعرفهم.

ومجمل القول إن الرسالة الحقيقية هي التي تبدأ من البيت، ومع أهلنا فرداً فرداً، وإذا ما أدركنا هذه الحقيقة؛ وأن رسالتنا في البيت قبل الشارع؛ فإن العديد من مشاكلنا ستنتهي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store