Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

التدمير الإبداعي.. والتجديد الإبداعي

A A
تلقيت دعوة كريمة من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، للحديث في «المنتدى الدولي للاتصال الحكومي»، وهو منتدى هام يُعقَد سنوياً بمشاركة خبراء ومتخصصين من مختلف انحاء العالم، وذلك لنقاش أفضل الممارسات الرامية للارتقاء بالأداء الحكومي، وأساليب الاتصال بين الحكومات والجمهور.. وتم تخصيص دورته الحالية لموضوع ساخن يتمثل في تعزيز الإستراتيجيات الاتصالية للمؤسسات الحكومية عبر تشكيل وعي مجتمعي للتكيُّف مع المتغيرات، وتشجيع الابتكار خلال الأزمات.

محور الحديث الذي تم تحديده لي، حمل عنوان: (التدمير الإبداعي.. ما الذي استفاده العالم؟)، وهو عنوان ليس غريباً بالنسبة لي، حيث سبق لي أن خصَّصت له فصلاً من كتابي: (الإعلام القديم والإعلام الجديد: هل الصحافة المطبوعة في طريقها للانقراض؟)، حمل عنوان: (الإعلان والتوزيع ونظرية الابتكارات المدمرة)، وكان ذلك نابعاً حينها من إدراكي بأهمية مفهوم (التدمير الإبداعي) وعلاقته الوطيدة بالهدف الأساسي للكتاب، وهو التنبيه من تأثيرات التكنولوجيا الجديدة على صناعة الصحافة، والتي جعلتني أُخصِّص صفحته الأولى كاملة لعبارة واحدة تقول: (لا أعتقد بأنه سبق لدور النشر أن واجهت، أو ستُواجه في المستقبل، فرصاً للربح كهذه التي أمامها اليوم، وفي نفس الوقت، فإنني لا أعتقد بأنه سبق لها أن واجهت أو ستُواجه في المستقبل خطراً يُهدِّد وجودها، كهذا الذي تُواجهه اليوم).

هذا التركيز من قِبَلي على مفهوم (التدمير الإبداعي) لم ينجح في الواقع في لفت أنظار المتخصصين في صحافتنا المحلية مثلما كنت اؤمل، لدرجة أنني أوشكتُ على نسيانه، حتى وصلتني الدعوة للحديث عنه في منتدى الشارقة، وهو ما يعكس نظرة ثاقبة من منظمي المنتدى في مرحلة حرجة يمر بها العالم، وتتطلب استدعاءً لكافة الأفكار والحلول المبتكرة، ومنها قطعاً نظرية «التدمير الإبداعي»، والتي لا تقتصر على مجال محدد مثل «صناعة الصحافة»، بل تشمل كافة المجالات الأخرى، مثل السياسة، الاقتصاد، الزراعة، والتعليم، وغير ذلك.

هذه النظرية قدمها لأول مرة البروفيسور كلايتون كريستينسين عام 1995 تحت اسم «التكنولوجيا المدمرة»، ثم طورها لاحقاً عام 1997، وأسماها «التدمير الإبداعي» Disruptive Innovation، وهو مصطلح يشير إلى «الابتكارات والأفكار التي تخلق ظروفاً أو أسواقاً جديدة ومنظومة مختلفة من القيم، وتتسبَّب في النهاية بتعطيل أو تدمير الأسواق ومنظومة القيم السابقة».. وقد اعتبر هذا المفهوم أكثر الأفكار التجارية تأثيراً في مطلع القرن الواحد والعشرين.

ورغم أن هذا المفهوم يحمل كلمة «تدمير»، إلا أنه في الواقع يشير إلى تدمير إبداعي إيجابي، فهو من ناحية؛ تدمير حتمي لا مفر منه،

ومن ناحية أخرى هو تدمير لأساليب تفكير بالية؛ لم تعد قادرة على تلبية متطلبات وظروف قائمة جديدة. التعامل مع مفهوم «التدمير الإبداعي» يتطلب قيادات إعلامية ومهنية واعية لديها رؤية حكيمة وقدرة على استشراف المستقبل؛ والاستعداد له مبكرا، وإعداد المجتمع والأطراف المعنية للتغيير بحكمة ووفق آليات وخطط مدروسة بعناية. وللحديث بقية..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store