Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

رسائل غامضة.. وتوقيت مشبوه!!

A A
من أبرز ما نادت به رؤية المملكة 2030؛ توفير فرص العمل للشباب، وتقليل نسبة البطالة بينهم، ورفع مهاراتهم وزيادة مقدراتهم بما يُمكِّنهم من استلام راية العمل والإنجاز، وذلك إدراكاً لحقيقة أن الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل، كما يقولون. إضافةً لذلك، فإن مجتمعنا السعودي يمتاز بزيادة عنصر الشباب، حسبما تُؤكِّد الإحصاءات والأرقام الموثوقة، التي تُوضِّح أن ثلثي عدد السعوديين هم من فئة الشباب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 35 عاماً. لذلك سعت الدولة بمنتهى الجدية إلى مساعدتهم، ولم تترك باباً يؤدي إلى ترقية وضعهم وتأمين مستقبلهم؛ إلا وطرقت عليه بقوة.

لتحقيق تلك الغاية، لجأت الأجهزة المختصة إلى تنويع الخيارات أمام الشباب، فبالإضافة إلى توفير البرامج التدريبية الرامية لزيادة المهارات والمعارف، حتى يكون الشباب أكثر قدرة على تطوير أنفسهم، فقد اهتمت الدولة بقطاع ريادة الأعمال، وقدَّمت العديد من التسهيلات للشباب، لدخول عالم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عبر حزم متنوعة من الدعم، وهو ما أسهم في تطوُّر هذا القطاع الاستراتيجي.

ما قادني إلى تلك المقدمة، هو الرسائل التي بدأت تنتشر في الفترة الماضية عبر العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والتي تدعو الشباب إلى ترك العمل الوظيفي، والمسارعة بتقديم استقالاتهم لدخول مجال العمل الحر. هذه الرسائل المشبوهة تأتي في توقيت يُثير العديد من علامات الاستفهام، حيث تُحقِّق كافة الأجهزة المختصة تقدماً ملحوظاً في سبيل توفير الفرص الوظيفية المتميزة للشباب، تجسيداً لمستهدفات رؤية المملكة 2030، وهو ما قاد إلى تقليل نسبة البطالة بصورةٍ ملحوظة، حسبما تُؤكِّد الإحصاءات الرسمية.

وسط هذا النجاح، يأتي مَن يُطالب الشباب بالتوقف عن الالتحاق بالوظائف المتاحة أمامهم، والتي تنهي سنوات من الانتظار قضاها بعضهم في انتظار هذه اللحظة الحاسمة، التي تسمح له ببدء حياته العملية، وتأمين مستقبله.

الملفت في تلك الرسائل، أنها تستخدم الأسلوب العاطفي للتأثير على الشباب، وتنفيرهم من الوظائف، وذلك عبر سرد قصص من وحي الخيال عن شباب تنازلوا عن وظائفهم، وتقدَّموا باستقالاتهم، ودخلوا السوق وحقَّقوا نجاحات مذهلة، وكسبوا أموالاً طائلة في وقتٍ وجيز وبأقل مجهود.

ومع التسليم بأن العمل الحر عامر بالكثير من الفرص الاستثمارية المتميزة، إلا أن ذلك لا يعني أن تحقيق النجاح فيه يتم بمثل هذه السهولة التي يُصوِّرها البعض، فالنجاح ليس مضموناً، ونسبة المخاطرة عالية، إذا لم يمتلك رائد الأعمال العديد من المتطلبات، في مقدمتها توفُّر رأس المال المطلوب، والقدرة على البقاء في السوق لفترة بعد انطلاق العمل، حتى يتمكَّن من تحقيق الأرباح، والتحلِّي بالتفكير السليم، وامتلاك الخبرة الكافية التي تُؤهِّله لإدارة مشروعه الخاص.

ولا يخفى علينا جميعاً، أنه ليس بالضرورة أن الشخص الناجح في وظيفته، يمكن أن يكون تاجراً ناجحاً، وأن النجاح لا يتأتَّى بمجرد بدء المشروع التجاري، وأن بعض المشاريع رغم جدواها الاقتصادية؛ إلا أنها تحتاج إلى فترة من الوقت، حتى يبدأ أصحابها في جني الأرباح والمكاسب المادية.

وللأسف، فإن بعض الشباب الذين استهدفتهم تلك الرسائل، انساقوا وراءها، وسارعوا إلى التخلي عن وظائفهم، ودخلوا مجال العمل الحر بدون دراسات كافية، أو وعي وتبصُّر، لذلك كان مصير معظمهم الفشل، واضطروا لمغادرة السوق والخروج منه، ولكن للأسف بعد أن تكبَّدوا خسائر فادحة، وتحمَّلوا ديوناً هائلة، سوف تجعلهم يُعانون لفتراتٍ طويلة، لا سيما بعد أن فقدوا وظائفهم، التي كانت تُؤمّن لهم مستقبلاً مضموناً بإرادة الله.

لا أقصد مما ذكرته تنفير الشباب من ريادة الأعمال، بل على العكس من ذلك، فقد كنتُ ولا زلتُ من أشد الداعمين لهذا المجال، ولكن بشروطٍ محددة، من أبرزها أن يسأل الشاب نفسه سؤالاً رئيسياً: هل يصلح من الأساس لدخول عالم التجارة؟، هل يملك القدرات المالية والمؤهلات العلمية الكافية؟، فهناك نسبة كبيرة من المشاريع الناشئة مُنيت بالفشل، وذلك لعدم امتلاك أصحابها رؤية تجارية صحيحة مستمدَّة من عمق الواقع، ولأن الأمنيات كانت هي الدافع والمحرك الرئيسي لهؤلاء، فإن مشاريعهم التي نفَّذوها بتسرُّع، كانت تحمل مقوّمات فشلها منذ اليوم الأول لافتتاحها.

ولأننا لسنا في حاجة للمزيد من المعاناة لشبابنا، الذين قد يضطر بعضهم لدخول السجون بعد الفشل في تسديد الديون التي تكبَّدوها لبدء تلك المشاريع، فإن هناك واجب من وجهة نظري على العديد من الأجهزة المختصة، مثل وسائل الإعلام، والغرف التجارية، لتوعية هؤلاء الشباب بالأساليب الصحيحة التي تعينهم على تحقيق النجاح في مشاريعهم التجارية، وتوفير دراسات الجدوى اللازمة لهم. فالواقع الحالي يتطلب الإسهام الجاد في حل مشكلة البطالة، ومساعدة الأسر المنتجة، ودعم الشباب وتمكينه من تأمين مستقبله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store