Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن عربي المغربي

ذكريات الأمكنة

A A
في تقديمه للأعمال الكاملة لـ(عاصم حمدان) -أسكنه المولى فسيح الجنان-، وفي الجزء الخامس من كتاب الإثنينية الذي نشرها الأديب (عبدالمقصود محمد سعيد خوجة) -رحمه الله-، يقول المُهذَّب الأستاذ (حسين بافقيه): إن عاصم من الكُتَّاب المعدودين، الذين ولعوا بـ(السِّيَر الذاتية)، فأعماله المتوالية مسكونة بـ(الأمكنة المنهارة)، فسيرة تلك الأمكنة هي سيرته هو، ولعلَّ مرد ذلك تعلُّقه بالمكان عنواناً، وبالمكان فضاءً، فكان من السائغ أن يتحوَّل أُناس (عاصم) إلى أُناس مضمخين بألق تلك الأمكنة، وفي (عاصم) مزية يُدركها مَن وقف على شيء من أدبه، فالرجل وفيٌ لأصدقائه، والشاهد أنك تجد ذلك في (الرستمية)، كما تجده في الكتب التي تدخل في فلكه.. انتهى.

نعم، إن الكتابة عن عاصم بمثابة الغوص في التاريخ، وكيفية سرد هذا التاريخ، فتنوُّع ثقافة هذا "المديني" الذي عشق مكة، وسعة اطلاعه، انبثق منهما أدبه الذي يعتبر شيئاً مختلفاً وطرازاً آخر، فقد وصل لأعماق المعرفة بطريقة مختلفة؛ أدبياً وعلمياً، فكانت قدرته الأدبية التي برع فيها؛ لتصوير تلك الشخصيات والأمكنة والمواقف، حتى كأنك تشعر أنه أعادك لنفس التاريخ، تعيش تلك اللحظات، وخير دليل؛ كتابه عن حي الشامية، الذي حمل عنوان: "أشجان الشامية"، وكأنني أتذكَّر تلك الأسماء التي ذكرها -رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان- في كتاباته الاجتماعية والأدبية والعلمية، (الشيخ عبدالله بصنوي، والعم أحمد راوه، والرجل الأنيق عبدالرحمن أبوراشد، والعم عبده وزان، والأستاذ محمد نور، والعم سرور باسلوم، والعم علي بن يوسف)، وكنتُ أراه دائماً في منزل المُهذَّب (سراج عياد، والسيد محمد علوي، والسيد عباس مالكي)، وكثير من الأسماء -رحمهم الله رحمة الأبرار والصالحين-، ومنذ بدأت المسيرة في أذهان وقلوب أولئك القوم؛ كنتَ فيها "أبا أحمد"؛ المحور وكل شيء، كما أذكر دائماً تلك الجملة التي كان يُردِّدها ذلك الرجل الذي أَحبَّك.. "مُجمِّع الأحباب".. عشقتَ مكة، وعشتَ بين أحضانها وبين أهلها، وأصبحتَ نسيجاً من حكايتها، أتذكَّر وقت صدور أعمالك الأدبية الكاملة -رحمك الله- ضمن سلسلة كُتَّاب الإثنينية، وكنتَ تُثني ثناءً كبيراً على هذا المنتدى الأدبي، وما يقوم به من تكريم للأدباء والمثقفين، وطباعة الأعمال الأدبية الكاملة لجميع الأدباء.

وفي كلمة الأديب والناشر الأستاذ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة -رحمه الله- عن الأعمال الكاملة للدكتور "عاصم حمدان" يقول: إنه من جيل القنطرة التي ربطت بين الرواد الأفاضل وجيل المعاصرة.. جيل نهل من تجارب الماضي، وامتشق حنيناً يذوب في الفطرة السوية التي امتازت بالبساطة والثقة، والعفة وجمال النفوس.. أُناس كستهم الطِّيبَة، وعَلَتْهُم الهيبة، وسكنتهم المروءة والبذل، حتى أصبحوا جسداً واحداً.. انتهى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store