Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

الحياة تحلو بجيرانها..

شذرات

A A
عبارة: «الجار قبل الدار»، هي غالباً لا تتوقَّف، لما فيها من عمقٍ ودلالات مهمة في المفهوم الحياتي والواقعي.

ويُعدُّ النموذج الجداوي القديم في الجيرة شيئاً يُحتذى به، حدّثنا عنه «الشيخ أحمد فتيحي، والشيخ أحمد باديب».

ومن المعروف لدى أهل نجد القدامى، قداسة الجار حتى لو صدر منه الأذى، والشخص قد لا يغفر لبعض الآخرين ما يصدر عنهم من تصرفات مسيئة، إلا الجار، فإن نسبة تحمّله للأذى منه مرتفعة جداً.

وإذا كانت هذه العلاقات قد شهدت بعض التحولات عموماً بين الجار وجاره على نحو خاص، إلّا أن تأثيرات الجيرة لا تزال قائمة. ومن المتعارف عليه هو مبادرة الجار بالترحيب بالجار الجديد عبر إرسال بعض الحلوى، مصحوبة برسالة تحمل رقم الهاتف والاسم، وعبارات المجاملات المتعارف عليها، والقليل منهم من ينتظر التعارف من خلال الصدفة، أو في مصعد العمارة، أو خلال بعض الظروف التي تقود إلى تعارف الجيران.

وليس صحيحاً أن الجار هو فقط مَن يُجاور في السكن، وقد تكون هذه أبرزها، إلّا أن هناك صوراً عديدة في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل والسوق والمزرعة ومقعد الدراسة، وغير ذلك من صور الجوار التي تتطلب حسن المعاملة.

ولا يكفي حسن المعاملة فحسب، بل إن حسن الجوار هو الصبر على الأذى إن وُجِد.

والجيرة تحدَّث عنها العديد من الأدباء وكتَّاب الروايات، وأشهرها: (زقاق المدق)، وهي من أشهر روايات «نجيب محفوظ»، جمع فيها العديد من الشخصيات المتناقضة التي تُشكِّل صوراً بانورامية اجتماعية وسياسية وعاطفية.

وفي مجال الغناء كان أبرزها: (يا جارة الوادي)، وهي من كلمات «أحمد شوقي» كتبها بعد زيارة مدينة زحلة في لبنان، ولحّنها الموسيقار «محمد عبدالوهاب»، وغنَّاها كذلك، وغنتها بعده «فيروز».

وهناك العديد من الأقوال المأثورة في الجيرة، من أشهرها الحكمة الروسية: «من يرمِ الشوك عند جاره يَرَه ينبتُ في حديقته».

والحكيم «كونفوشيوس» يقول: «الفضيلة لن تُترك لتكون وحدها، فمَن يُمارسها سيكون له جيران».

وللإمام «الشافعي» أبيات يقول فيها:

ومن يقضِ حقَّ الجارِ بعد ابن عمه

وصاحبِهِ الأدنى على القرب والبعد

يعشْ سيداً يستعذبُ الناسُ ذكرَه

وإن نابَه حقٌّ أتوه على قصد!

وللصحابي الجليل «معاوية بن أبي سفيان» رضى الله عنه: «المروءات أربع: العفاف، وإصلاح الحال، وحفظ الإخوان، وإعانة الجيران».

ويحثّنا «سيد البشر» قائلاً: «مازال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيُورّثه».

ويقول عليه الصلاة والسلام: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل مَن يا رسول الله؟، قال: الذي لا يأمن جارُه بوائقه».

و»للحديث بقية».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store