Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

أكتــــوبر

A A
بعض شهور السنة لها شخصية مميزة بسبب أهميتها الدينية، أو التاريخية، أو الزراعية.. وشهر أكتوبر كان الشهر الثامن في نظام الأشهر القديمة قبل تحوُّل العالم لنظام الاثني عشر شهراً، وكلمة «أوكتو» باللاتينية معناها ثمانية.. وهو شهر الحصاد الزراعي، فكان يتميَّز بالعديد من الاحتفالات عبر التاريخ.. واليوم يشهد العالم مجموعة مناسبات، منها احتفالات الضوء في الهند، وشجر «القيقب» العريق في اليابان، والأبراج الآدمية في إسبانيا، واحتفالات «الوجوه» في الفلبين، واحتفالات «هالووين» في الولايات المتحدة، وغيرها.. ولكن بالنسبة للعالم العربي، هناك ما هو أهم من كل هذا، فتوجد ذكرى مناسبتين في غاية الأهمية.. كانتا من أهم نقاط انعطاف تاريخ الشرق الأوسط، وكلاهما تستحقان وقفات تأمل: الأولى كانت في 29 أكتوبر 1956، وكانت مسرحية هزلية دولية استهدفت الشقيقة مصر «لكسر شوكتها» كما زعموا، وفرض الهيمنة عليها.. ويعتقد العديد من الناس، وبعض مدوّنات التاريخ أنها كانت بسبب تأميم قناة السويس وتأمين إمدادات البترول لأوروبا، ولكنها كانت أكبر من ذلك بكثير. حديثنا هنا عن العدوان الثلاثي على مصر من الكيان الصهيوني، وفرنسا، وإنجلترا. حصلت مصر على استقلالها من بريطانيا عام 1922، وتبعتها ثورة 1952، وولد التخوف الكبير من النمو العربي.

وكانت بريطانيا وفرنسا من أهم القوى العظمى في العالم، وكانتا تسيطران على بعض الدول في المنطقة، ومنها عدن والجزائر الشقيقتان. وأما بالنسبة للكيان الصهيوني فكان حديثاً، لم يُكمل عامه الثامن، وكان تخوُّفه من قيادة مصر في تكرار الهجوم العسكري لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة. تم الاتفاق سراً في ضاحية «سيفر» بباريس، بين حكومات فرنسا، وبريطانيا، والكيان، للقيام بمسرحية غريبة ملخصها كالتالي: يتم هجوم القوات الإسرائيلية على مواقع مصرية في سيناء، للوصول إلى حافة قناة السويس.. ولتهدئة الوضع تتدخل القوات الفرنسية والبريطانية لتهدئة الأمور، والتأكد من نشر السلام.. يا سلام. طبعاً القصد الأساس كان الإطاحة بالنظام المصري الجديد، والعودة إلى النظام السياسي القديم لتأمين مصالح الدول المعتدية. وأُطلق على العمليات العسكرية اسم «مسكّتير» Musketeer، أي الفارس، بإيحاء من قصة الفرسان الثلاثة.. وكانت أقرب إلى حال «المساطيل الثلاثة». وبدأ الهجوم على مصر بنهاية أكتوبر 1956، ولكن العدوان لم يفلح بسبب المقاومة الباسلة من الجيش، والشعب، ثم الدعم العربي، وتدخل المجتمع الدولي، والولايات المتحدة التي مارست دور الدول العظمى بالطريقة الصحيحة آنذاك. وكان النصر كبيراً للعرب، وكانت المواقف الأخوية العربية مشرفة جداً، ومنها دور المملكة، حيث تطوع الناس من أكبرهم إلى أصغرهم للدفاع عن مصر.

والحدث الثاني المهم لأحداث أكتوبر هو «العبور»، حيث قامت القوات المسلحة المصرية بعبور قناة السويس لتحرير الأراضي المصرية من قبضة الصهاينة في 6 أكتوبر عام 1973. ولا يخفى على الجميع أن حجم وطبيعة العمليات العسكرية كانت مذهلة في ذلك اليوم.. أكثر من 220 طائرة.. وألف دبابة.. وعشرة آلاف مركبة.. ومئة ألف من الجنود البواسل عبروا القناة، فحطَّموا أسطورة خط بارليف المنيع، والقوات الجوية الإسرائيلية، والجيش الذي لا يُقهر. وقامت القوات السورية الشقيقة في نفس اللحظات بضربة موجعة لقوات الكيان الصهيوني على الجبهة الشمالية، فكانت من العمليات العسكرية التاريخية الرائعة إستراتيجياً وتكتيكياً. وتدخَّلت المملكة بالرجال، والعتاد، وسلاح البترول لدعم المجهود الجبَّار، كما لعبت إحدى الأدوار الجوهرية في تقنية العبور بدعم الحصول على المضخات الجبارة التي استخدمتها القوات المصرية بفطنة وذكاء، لتحقيق الثغرات في خط بارليف واقتحامه. وللأسف، فكان تدخل بعض الدول العظمى ضد مصر وسوريا مغيراً لأوضاع النصر الساحق.

* أمنيــــة:

لم تكن مخرجات حربي أكتوبر 1956 و1973 على أفضل حال، ولكنهما كانتا رائعتان ومشرفتان بمعنى الكلمة. أتمنى أن يكونا في عقولنا وقلوبنا، وذاكرة أوطاننا، ففيهما ما يرفع الرأس عالياً، وليبقى أكتوبر من الشهور الميلادية المميزة بإذن الله. @Tfadaak

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store