Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

تيك توك وأخواته.. من يوقف العبث ؟!

A A
يتزايد الجدل وسط أفراد المجتمع حول تطبيق تيك توك، وما يتضمنه من غرائب وعجائب ومهددات باتت تواجه العائلات والأسر، للدرجة التي تحوَّل معها إلى شبحٍ حقيقي يُهدِّد استقرار المجتمعات وتفككها، ويُدمِّر القِيَم، فهذا التطبيق يتميَّز بأنه جاذب لكافة فئات المجتمع، لا سيما فئة الشباب والأطفال بأكثر مما تفعله بقية تطبيقات وسائل التواصل الأخرى.

ومع أن كافة هذه التطبيقات تتذرَّع بالحرية فيما تنشره وتبثه من سموم، إلا أن تلك الحجة غير المقنعة تظهر بشكلٍ أكثر في تطبيق تيك توك، للدرجة التي نشر فيه خلال الفترة الماضية مسابقة في شكل فيديو يحمل اسم: «تحدي الموت»، تقوم فيه مجموعة من الأطفال بكتم نفس أحدهم، لمعرفة الفترة التي يكون فيها قادراً على البقاء لأطول فترة دون تنفس.

ولا يخفى مقدار الخطورة العالية التي تنطوي عليها مثل تلك الممارسات، والتي تصل حد الموت، لا سيما إذا أخذنا في الحسبان أن الإنسان السليم بدنياً؛ لا يستطيع البقاء على قيد الحياة بدون تنفس لأكثر من دقيقتين، وهو ما يُشكِّل تهديداً لحياة أولئك الأطفال، الذين ربما لا يُدركون هذه الحقائق، خصوصاً أن بعضهم قد يحاول عدم التنفس لأطول فترة ممكنة، حتى يكسب التحدي.

ما أقوله ليس من باب التهويل أو المبالغة، فقد أكدت وسائل إعلامية في مصر أن هناك شاباً يبلغ من العمر 18 عاماً لقي مصرعه اختناقًا؛ خلال مشاركته في هذا التحدي، بعد أن أغلق على نفسه باب غرفته، واستخدم هاتفه لتصوير التحدي وهو يقوم به، ولكن انتبه له أحد من أسرته وهو فاقد للوعي، وتم نقله على الفور إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة.

كذلك يركز التطبيق المذكور – في إطار بحثه عن الإثارة وعناصر جذب المشاهدين – على تحديات أخرى مشابهة، مثل تصوير فيديوهات مثيرة وخطيرة، كالوقوف أمام القطارات، أو السيارات المسرعة، أو التقاط صور سيلفي من مناطق خطرة، أو التعامل مع الحيوانات المفترسة والثعابين، أو ابتلاع الحشرات والحجارة وقطع الزجاج، وغير ذلك من الأشياء غير المألوفة وغير الطبيعية.

ومنذ بداية ظهور تطبيق تيك توك قبل عدة سنوات، ارتفعت الأصوات المحذِّرة منه، لأنه مفتوح للجميع، بغض النظر عن فئاتهم العمرية، ورغم أن إدارة التطبيق أعلنت تحت وطأة الضغوط التي تعرَّض لها من مختلف دول العالم عدم السماح لمن هم أقل من 15 سنة بالاشتراك، إلا أن ذلك الإعلان لم يجد حظه إلى التطبيق على أرض الواقع، بل إن التطبيق أصبح كأنه مُخصَّص للأطفال دون سواهم.

ومن عناصر الجذب التي تغري الأطفال وصغار السن للاشتراك في التطبيق، أنه يعتمد بالدرجة الأولى على تسجيل الفيديوهات والموسيقى والمقاطع الصغيرة، وهو ما أكسبه شعبية هائلة خلال فترة زمنية قصيرة جدًا، وأصبح له تأثير كبير على حياة الأشخاص، بعد أن استطاع عبور جميع الحدود، وتجاوز عدد مستخدميه ملياري شخص.

ولا تقتصر خطورة تيك توك على مجرد فيديوهات التحدي، بل إن أكبر مخاطره تتمثَّل في غرف الحوارات التي لا تخضع لأي مراقبة أو إشراف، ويتمتع فيها المشاركون بالحرية التامة في الحديث، وهو ما يُعرف بـ «قيست»، التي تعني ضيف في اللغة الإنجليزية، فغالبية هذه الحوارات تدور حول الجنس والعري والعنف، ويشارك فيها مراهقون وأطفال وأشخاص كبار في السن، وهو ما يُمثِّل خطراً كبيراً على المجتمع والأخلاق والمعايير الإنسانية بشكلٍ عام، لأن هناك احتمال كبير باستغلاله من قِبَل ضعاف النفوس في جرائم أخلاقية، مثل الدعارة وترويج المخدرات. وهناك دراسات مختصة أشارت إلى أن كثيراً من متابعي تطبيق تيك توك يُصابون بالاكتئاب والفشل الدراسي والعزلة الاجتماعية والتحرش، وربما ينتهي بهم الأمر إلى الانتحار.

لذلك أرى أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ قرارات قوية وحاسمة ضد هذا التطبيق، وقد بدأت دول كثيرة في اتخاذ خطوات فعلية لمنع التطبيق المذكور، مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والهند، وذلك بسبب الجرائم الكثيرة التي وقعت بسببه، فنحن صراحةً نُواجه خطراً حقيقياً يُهدِّد أبناءنا وأجيالنا القادمة، ويستهدف قيمنا ومجتمعاتنا، ولا بد من التصدي له من قِبَل كافة فئات المجتمع، والجهات المختصة، بما يحفظ أخلاقنا، لا سيما في ظل صعوبة السيطرة على ما يُشاهده أطفالنا، بعد انتشار وسائل التواصل التي لم يعد يخلو منها بيت.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store