Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

فن‏ العلاقات الإنسانية الناجحة

A A
«اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، عبارة يرددها الكثيرون دون العمل بها- إلا من رحم ربي- وتراهم يضيقون ذرعاً بأي مختلف معهم في الرأي، مع أن بعضهم من الطبقة المثقفة والمعتبرة اجتماعياً. وقلة قليلة من تمتلك قدراً من الذكاء الاجتماعي، الذي يقوم على تفهم الآخرين وكيفية التعامل معهم حسب طبقاتهم وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية والفكرية، بل تمتعهم بذكاء عاطفي من خلال التوحد مع المختلف وفهم مشاعره والتعاطف معه ودعمه، مما يجعله أكثر تأثراً في تقبل فكرته، وبناء علاقات وطيدة معه.

‏ونسي الكثيرون منا أن الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين، كما قال تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، وهذا حتماً لحكمة عظيمة؛ فاختلاف الناس ثقافياً وعلمياً واجتماعياً وفكرياً له أثر كبير في نمو وتطور المجتمعات الإنسانية، وانصهار تلك الثروة البشرية واستغلالها كمورد في المجالات المتعددة، ينتج عنه إبداع وتنافس وحل للمشكلات.

‏ولكن للأسف نرى اشتداد الخصومة بين الناس، والتي تصل إلى القطيعة في أبسط اختلاف، وهذا مما يؤثر على العلاقات الإنسانية، ويصبغها بصبغة عدوانية، حتى السلام يستحيل بينهما!! وقد تستمر أزمنة طويلة، وتتفشى على النطاق الأسري، ومن جيلٍ لآخر..‏ فأين ذلك من روح التسامح في الحوار، الذي يُركِّز على المشتركات الإنسانية، وتجاهل الخلاف، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)؟!.

وحينما قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - سيدخل عليكم رجل من أهل الجنة وكررها ثلاث ليالٍ، فذهب عبدالله بن عمر إلى منزل ذلك الرجل بحجة أنه تخاصم مع والده، ويريد المبيت عنده، فلما مكث عنده ثلاث ليالٍ، ولم يجده قائماً لليل، ولا صائماً في النهار، وإنما يؤدي الفروض الأساسية، فتعجَّب من ذلك وسأله، فقال: هو ما رأيت، ولكنني رجل أبات وليس في قلبي غل ولا حقد ولا حسد لأحد من المسلمين.

نعم دخول الجنة ليس بالصيام والقيام، في الوقت الذي يقوم فيه بقطيعة الرحم وسب هذا وشتم ذاك، وحمل الأحقاد سنيناً طويلة.. دخول الجنة في العمل الطيب وحسن الخلق، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً»، فالحوار البناء والاتصال المباشر وتقريب وجهات النظر أهم عناصر في بناء العلاقات الإنسانية، وأما رفع الصوت وقسوة الكلام واعتبار من ليس معي فهو ضدي، لا تزيد العلاقات إلا توتراً وتنافراً.

كما أن التركيز على العلاقة نفسها، وأن تكون متينة وبناءة، سيساعد على تجنب التصرفات المزعجة من الطرف الآخر، وفي مجال العمل التركيز على الإنتاجية والنجاح في العمل كفريق، يُخفَّض من تأثير الفروقات الفردية من حيث رؤية الموقف الشامل للعلاقات، وتحقيق قدراً كبيراً من الإيجابية. أما التركيز على السلبيات، فهو وسيلة لتدمير العلاقات وتخفيض الإنتاجية وتقليل فرص الترقية والمكافآت المعنوية والمادية. ونلاحظ أن الموظفين الذين لا يستطيعون تكوين علاقات إنسانية ناجحة، أكثر عرضة من غيرهم للاستقالة من العمل، لفشلهم في كسب ثقة الآخرين، خاصة إذا كانت المشكلات ناتجة عن تنافس غير شريف، مما ينتج عنه علاقات مسمومة في العمل.

‏حتماً، هذا كله لا يعني أن تكون ضعيفاً، وفي هذا يقول (ألوود إن تشابمان) في كتابه (النجاح في العلاقات الإنسانية): «إن التعامل مع الوحوش يتطلب منك أن تكون قوياً، لأن ضعفك سيجعلهم أكثر وحشية»، وهذا لا يعني التصادم معهم، ولكن إفهامهم من خلال سلوكياتك وتصرفاتك الواعية أن لا ينخدعوا بطيبتك ومظهرك الودود، ولكنها أناقة سلوكك في التعامل مع الآخرين.

‏كما ذكر في كتابه أيضاً نظرية (المنافع المتبادلة بين الأطراف لتحقيق المصالح المشتركة)، أنها تؤدي إلى علاقات إنسانية جيدة، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن إلى حدٍ ما، فنحن كمسلمين لدينا قيم أعلى من المنافع المتبادلة، «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ». ‏أخيراً، أجمل ما يوطد العلاقات، هو استخدام فن التغافل، الذي قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: تسعة أعشار العقل في التغافل عن الزلات. وهو فن يحتاج إلى كثير من الصبر. وإن كان بعض الناس أصحاب أمزجة متأنية، فإن أصحاب الأمزجة النارية بحاجة إلى كثير من التدريب على هذه المهارة، لتكوين علاقات إنسانية ناجحة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store