Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

مقالة في الحُب

A A
- من جرّب الحبّ بحقيقته الرّهيبة، يعلم أنّه انهزامٌ نفسي، واستسلامٌ قلبي، وارتقاءٌ روحي، وانتشاءٌ عصبي، وارتعاشٌ عقليٌّ انفعاليٌّ لا يهدأ ولا ينام.. إنّه الشعورُ الوحيد الذي يجعل لحياتِك العابرةِ المؤقّتةِ غيرِ المُهمة والقصيرةِ جدًّا في هذا الكون، معنى وغاية.

- الحُبّ، هو أن تنتابَك لوثةٌ عقلية، وتتلبّسك جنّية شقيّة، وتسكنَك أرواحٌ شهيّة، وبعضها غبيّة.. وهو إرباكٌ لذيذ.. نوعٌ من إساءة الحُكم، وهْمٌ يتلاشى بمجرّد تحقيقه.. إنّه مرضٌ، لا أجر فيه ولا عِوض، وداءٌ عُضال لا يُرجى بُرؤه.. وكالموت، يأتي بغتةً، ولا يجوزُ عليكَ بعده إلا الدّفن والرّحمة!. - الحبّ في واقعه نقيضُ السّعادة، فهو مرتبطٌ بالفقد والحِرمان، والانتظارِ واللهفة، والشوقِ والاحتياج.. وهي كلّها من مُسبّبات الألم والمعاناة.. لكن ممّا يجلب الارتياح، أنّ الحبّ، كما قال الدكتور (أحمد خالد توفيق): «ينتهي دومًا بالفراق أو الزّواج.. ثِق أنّ هذه اللحظات لن تدوم، لذا حاول أن تنعَم بها»!، وبمختصر المعنى أقول: آفةُ الحبّ.. القُرب.

- عموماً، لا داعي للقلق، فالحبُّ يجعل الإنسان أبلهاً.. لذلك لن يشعرَ أحدهم بأنّه يرتكبُ أيّة حماقةٍ حين يقع في الحُبّ، لكن على من رغبَ في تجنّب الوقوع في فخّ الحبّ، أن ينام مبكّرا، فمُعظم الذين مرضوا به، أُصيبوا به أثناءَ سهَرهم لما بعد مُنتصف الليل.. أقولُ لكم الحق: الحبُّ من أسبابِ الأرق!.

- أمّا من أرادَ أن يجرّب حظّه معه، فينبّهُه عميدُ الأدبِ العربي الدكتور (طه حسين) على أنّ «الحبّ لا يسأم ولا يملّ ولا يعرف الفُتور، ولا بدّ أن تلحّ في حُبك حتى تظفر بمن تُحب، أو تفنى دونه».

- ليس بعدَ الحُبّ بَعد.. إنه الغايةُ والوسيلة، والسّببُ والنتيجة، والأصلُ والفرع، والبدايةُ والنهاية، يقول فيلسوفُ السّعادة (برتراند راسل): «الحياةُ الجيّدة، هي تلك التي يُلهمها الحبّ، وتقودُها المعرفة».

- إنّ من مقوّمات السّعادة والعيشِ الحَكيم، أن يكون المرءُ قادراً على منحِ الحبِّ دوماً.. الحُبّ حتّى الثُّمالة.. هذا هو الحل.. هنا يكمُن الخلاص، يقول الشاعر المُتصوّف (جلال الدّين الرّومي):

«هناك سبلٌ كثيرةٌ لتصلَ إلى الله.. وأنا اخترتُ الحبّ لأصلَ إليه».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store