Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

الضغوط النفسية وتكسير الصحون!

A A
المتتبع لبعض المسلسلات يجد أن التعبير عن حالات الغضب فيها والحماقة إنما تكون بتكسير المزهريات والصحون والبراويز وكل ما له علاقة بالزجاج مذكرًا إيانا بندم الأحمق الذي كسر جرة العسل، فلحظة التكسير لحظة غضب وتصرف أحمق وكذلك هناك من يصفق الباب بقوة عند غضبه أو يضرب يده بالجدار ظانًا أن الجدار يدري عنه، فكل هذه التصرفات ليست إلا تصرفات حمقاء يغذيها الغضب ولا علاقة لها بامتصاص الضغوط إنما هي لحظات من الغضب استولى فيها الشيطان على الإنسان.

إن تكسير الصحون التي يدعو إلى تطبيقها البعض بهدف امتصاص شحنات الغضب والطاقة الزائدة والضغوط النفسية لا يتحقق عنها إلا خسارة الصحن المكسور ولَم يثبت علم النفس أن لها أي علاقة بالتخلص من الضغوط النفسية أو تحسين الصحة النفسية، فهي عادة من موروثات العهد اليوناني القديم الذي كان يمارسه الأثرياء فقط تعبيرًا عن استغنائهم عن الصحون القديمة، وقد تركها اليونانيون ما عدا بعض المطاعم اليوم تقدمها للزبائن بمبالغ مالية كتسلية مع الموسيقى وتذكيرًا بعادة قديمة، ومع أن هذه العادة بدأت تنحسر في اليونان تمامًا وتحل محلها عادة «رمي الورود» إلا أن البعض في المجتمعات العربية يتناقلها دون أي تفكير منطقي إلا الادعاء أنها تمتص الضغوط النفسية.

من الطبيعي أن يمارس كل إنسان يعاني من ضغوط نفسية ما يخفف عنه تلك الضغوط وفق ما وجهت به الدراسات العلمية الموثقة وليس تبعًا لهوى متبع أو تقليد عادة سيئة كتكسير الصحون، وأول ما يحتاجه الذي يمر بضغوطات الحياة أن يغذي نفسه وروحه بما يخفض مستوى الضغوط النفسية الى أقل مستوى وهو ما يعرف بـ»تمارين الضغط النفسي» وهي عبارة عن مهارات مثل الاسترخاء والتنفس العميق وعادة ما يكون ذلك في مكان هادىء مع شيء من تمارين التأمل التي تزيد من كمية الأوكسجين لخلايا الجسم مع ذكر الله والروحانيات التي تمنح الراحة للنفس مثل قراءة القرآن والصلاة وملء الحياة بالإيجابيات وملء الفراغ بالعمل والاطلاع والقراءة، وقد تحدثت في كتابي «لمسات في الحياة « عن شيء من ذلك بالتفصيل.

فممارسة تكسير الصحون ليست إلا نوع من بطر النعمة وهدر المال، وقد مارست بعض الشعوب هواية التقاذف بالأكل مثل البطيخ والطماطم والبيض حتى سالت بعض شوارعهم من تلك النعم وهاهم اليوم وقد زالت عنهم تلك النعم، كما مارس البعض تقاذف ما يتبقى من السندوتشات بالأقدام، وهاهم اليوم يبحثون عنها فلا يجدونها، وهناك صور أخرى لازدراء النعمة وعدم التعامل معها بحمد الله وشكره فتكون العاقبة وخيمة وكذلك ممارسة تكسير الصحون ليست إلا نوعًا من البطر غير المحمود، لذا يجب عدم تشجيعه لعدم فاعليته في دحر المشاعر السلبية والضغوط النفسية، فالأولى البحث عن التطبيقات العلمية الموثقة لتفادي الضغوطات النفسية وهي موجودة في العديد من الكتب ولعل أشهرها كتب الدكتور ابراهيم الفقي -رحمه الله تعالى- مثل «حياة بلا توتر» و»سيطر على حياتك».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store