Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

وباء الشقاء والملل

A A
- مُعظم الشّقاء الذي يغلبُ على الإنسان، هو نتيجة عيشهِ تفاصيل الماضي، وخوفه من أحداثِ المستقبل، وتجاهله العيشَ في حاضره الذي يُعدّ الأساسَ في صياغة انفعالاته.. لذا يغلبُ عليه الأسى والقلقُ والترقّب، أكثر من الارتياحِ والطمأنينة والسّكينة. إنّ قمّة الشّقاء، أن تكون بذاكرةٍ قويّة.

- الإنسان، يدفعُه المللُ والوهْم.. فالضّجر والأمل، مُحرّكان أساسيّان لتطوّر الإنسان وتقدّم حضارته.. مع أنّ الأمل قد يكون مُجرّد خدعةٍ وفخّ، لا أكثر. لكن الملَل لا يخلو من الخطورة.. يقول (برتراند راسل): «السّأم.. يُسبّب نصفَ خطايا الإنسان».

- الأفكارُ التفاؤليةُ وتجميلُ الواقع، والتمسّك بالشّغف، ومُسايرةُ الأوضاع التي لا تُلائمك، وتحمّلُ الكبت والاقتناع بالتضحية، وإظهارُ الرّضا والسّير مع القطيع.. كلُّها من أسباب الشقاءِ والتعاسة والكآبة، فضلاً عن الوقوع في جحيمِ التناقض والتشظّي النفسي.

- يُقال: «أن تصلَ متأخّراً خيرٌ من ألّا تصل أبدا».. منطقٌ سخيف وانطباعٌ ساذج.. ما عسايَ أن أفعل بما جاء متأخراً عن وقته المُناسب، وقد طغى المللُ وسكنَت النّفس، وفاتَ الأوان وانقضى العُمر، وبرد الشّغف!.. أحياناً، خيرٌ لك ألّا تأتي أبداً، من أن تأتي مُتأخراً.

- إنّ الطموحَ أمرٌ مطلوب، والنجاح من مكوّنات السّعادة، لكنّ الهَوس بهما من أسباب الشّقاء والتّعاسة. إنّ إدمانَ المُقارنةِ بالآخرين، من أهمّ أسباب الشّقاء النفسي وغيابِ البهجة.. وفي الواقع، يكمنُ الشّقاء أحياناً، في التملّك والاستحواذ، وتحصيلِ ما تشتهي وترغب. عموماً، يبدو أن الشّقاء – على قُبحه - هو ما يجمعُ الناس ويؤلّف بينهم!.

- وفّرت التّقنيةُ الحديثةُ للإنسان، كثيراً من الرّفاهية وأوقاتِ الفراغ، في مُقابل مزيدٍ من العُبودية والخُضوع، وتسبّبت حُمّى الشّراء والاستهلاكِ والتنافسِ في الخواء الرُّوحي وتنامي الضّجر، وفقْد الإنسان لكينونتهِ الفردية. إنّ الرّغبة في المزيد.. أساسُ الشّقاء الرُّوحي وغياب الطُّمأنينة النفسية.

- يا للأسف.. حتّى الحُبّ يذبُل ويملّ، ويُصيبه الفُتور، وهو لا يتقبّل الإلحاح.. وفي النّهاية، قد لا تظفر بمن تُحب، ولعلّ ذلك أسلم!. فاللّهفة والشوقُ والإثارةُ أمورٌ عابرةٌ متغيّرةٌ لا تستمر، والبريقُ يذوي ويضعفُ لا مَحالة. يقول (إميل سيوران): «أكبرُ طرافة للحُب، طرافتُه الوحيدة، أنّه يجعل السّعادةَ غير مُنفصلة عن الشّقاء».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store