Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

صناعة التاريخ

صناعة التاريخ

A A
لماذا خلّد التاريخ احداثاً بعينها وأهمل أحداثاً أخرى؟ لماذا احتفظت ذاكرة الزمن بوقائع معينه دون الكثير من الوقائع الأخرى التي مرت دون أن يلتفت إليها أحد؟ إنها سُنة كونية عظيمة جعلت بعض الشخصيات والأحداثٌ محفورة في الذاكرة البشرية إلى درجة أنها أصبحت جزءً من حياة الناس يتذكرونها دائماً ويشيرون إليها وتكون جالبةً للأنس والأفراح أو باعثة على الحزن والأتراح. وفي هذا الحقبة الزمنية التي نعيشها أصبحت الرياضة عموماً وكرة القدم تحديداً من الأمور التي تسيًر التاريخ وتصنع الأحداث وأثبت الواقع أنّ فوائدها كثيرة ومنافعها جمّة غزيرة وأصبحت بطولات كأس العالم لكرة القدم الشغل الشاغل للناس في كل مكان وأصبحت منافسات كأس العالم من الأحداث المشهورة والوقائع المذكورة.

لقد خلد التاريخ يوم أمس الثاني والعشرين من نوفمبر 2022 بتحقيق المنتخب السعودي لإنجاز نوعي وانتصار باهر على منتخب الأرجنتين المرشح الأول للفوز بكأس العالم المقامة حالياً في قطر. نعم إنه يوم تاريخي وانتصار غير اعتيادي فقد كانت كل الترشيحات تصب لمصلحة راقصي التانغو لتحقيق فوز كبير يرهب المنافسين ويبعث رسالة أن ميسي ورفاقه قادمون لاختطاف كأس العالم وبالفعل فقد جاءت الكتيبة الأرجنتينية متبخترةً متغطرسةً يؤزها الإعلام ويطالبها بتحقيق انتصار قياسي على المنتخب السعودي بعدد كبير من الأهداف وانطلقت الترشيحات وتطايرت التوقعات حتى تخيل الأرجنتينيون أنهم حصلوا على نقاط المباراة حتى قبل بدايتها وتسابق المتحمسون في المراهنة على توقع نتائجٍ خياليةٍ لأصحاب القمصان البيضاء والزرقاء. ولكن هيهات هيهات فقد دلف الفيلق السعودي المظفر إلى ارض الملعب رابط الجأش صادق اليقين ملئ بالعزيمة واضعاً نصب عينيه اثبات الوجود وتحقيق الإنتصار وإسعاد الجماهير ونشر الفرح على شفاه الملايين. وبالفعل فقد رأى العالم الأداء الشجاع والاستبسال الرائع لكل فرسان الصحراء دون استثناء كيف لا وقد ملئت الثقة قلوبهم أنهم قادرون على احراز الانتصار وتحقيق الإنجاز وزالت عنهم كل اشكال الرهبة من الفريق المنافس وهو الأطول خبرة والأكثر تمرساً والأعلى ترشيحاً ويحترف لاعبوه في أقوى الفرق الأوروبية.

لقد ضجت وسائل الإعلام العالمية ومازالت تردد تفاصيل الملحمة الكروية العظمى التي ابهرت المتابعين وبعثرت أوراق المحللين الرياضيين وأثبتت أن فرسان الصحراء قادرون بإذن الله على تخطي الصعاب ومواجهة التحديات وتحقيق الذات ولعل من أبرز ما اتحفنا به الإعلام العالمي بعد انتهاء المباراة هي عبارة "الفوز السعودي على الأرجنتين من أكبر الصدمات في تاريخ كرة القدم" وهذه العبارة سارت بها الركبان وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية في موجة ضجيج إعلامي صاخب فرضه الإنتصار الساحق لفرسان الصحراء على الكتيبة الأرجنتينية وتلك التعليقات الإعلامية سوف يخلدها التاريخ وتدونها الكتب ويتناقلها الناس فيرويها خلف عن سلف. ومن تداعيات ذلك الفوز التاريخي أيضاً انهيار سوق المراهنات حيث تواردت الأخبار أن حجم الخسائر بلغ حداً قياسياً يصل إلى 160 مليار دولار حيث كانت كل المراهنات تصب لصالح فوز ارجنتيني عريض لكن بطلت التوقعات وخسرت المراهنات. ولا ننسى أيضاً مشاهد البكاء والعويل لأنصار المنتخب الأرجنتيني داخل الملعب أو خلف الشاشات وردود الأفعال الغاضبة للجماهير التي احبطتها الهزيمة حيث قامت تلك الجماهير بتحطيم مجسم كبير للاعب ميسي الذي لم يقدم المستوى المنظر فجعل نفسه غرضاً للسهام وأمسى مظنّة لأقوال اللّوام وهذه التصرفات اثارت استغراب الكثيرين لكنهت على أية حال تصرفات تبررها العاطفة بسبب الصدمة الكبرى والخسارة التاريخية التي جعلت الكثير من الرياضيين يتأففون من المستوى الهزيل لنجوم المنتخب الأرجنتيني ويمعنون في السخرية منهم والحط من قدرهم.

وفي خضم الأفراح العارمة بالفوز الكبير والإنتصار الرائع يجب ألا ننسي اننا ربحنا جولة واحدة فقط ولم نربح المعركة كاملة ولذلك لابد من الاستعداد للجولات القادمة فأمامنا مباراتين مع المكسيك وبولندا وهي منتخبات قوية تسعى للفوز والتأهل للدور الثاني ومنتخبنا قادر على مواجهتها وتحقيق نتائج إيجابية والتأهل للدور الثاني تماماً كما فعل منتخب عام 1994 في أول مشاركة لنا بمنافسات كأس العالم عنما أبهرنا العالم بانتصارين رائعين على المغرب وبلجيكا ومستوى مبهر أمام هولندا رغم الخسارة. ولا شك أن الجهازين الإداري والفني للمنتخب السعودي يدركون هذه الحقائق كما يدركون أهمية التحضير الذهني والإستعداد المعنوي وهي من أهم عوامل الإنتصار وتحقيق طموحات الملايين من محبي المنتخب السعودي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store