Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

تراجع الهيمنة الأمريكية

A A
في سنة 1987م صدرت الطبعة الأولى من كتاب «صعود وسقوط القوى العظمى» لمؤلفه «بول كينيدي» The rise an fall of the great powers، ودرس فيه الدورة الحضارية للقوى العظمى -على امتداد خمسمئة عام- واكتشف من خلال تحليلاته أن هناك قوتين (اقتصادية وعسكرية) يجب أن تكون متوازنتين ومتكافئتين لكي تستمر أي دولة في تفوقها كقوة عظمى، وأن الخلل في أحدها يؤدي إلى مشاكل تؤدي إلى ضعفها ثم سقوطها.

ونحن اليوم في عالم مليء بالصراعات على النفوذ والتنافس على الموارد الاقتصادية لأجل البقاء في القمة.

قامت أمريكا خلال القرن الحادي والعشرين بالاتجاه نحو التفرد بالقرار الدولي وتنصيب نفسها كقطب أوحد يحكم العالم وفق إستراتيجيتها التي رسمتها للنظام العالمي الجديد.. وباسم حماية الأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية يجب استخدام كل الوسائل الممكنة لإذعان باقي دول العالم للهيمنة الأمريكية.. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي واكتمال تفككه في سنة 1991م أصبحت أمريكا متفردة في قيادة العالم، لكن هذا الوضع لم يستمر إلى مالا نهاية لأن المتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية ليست ثابتة.

نشر الكاتب نيكولاي ليزونوف في «أوراسيا ديلي» مقالاً أشار فيه إلى بعض الدلائل على نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في العالم ومن بينها الانسحاب من أفغانستان والعراق لعدم القدرة على السيطرة على العمليات العسكرية، الرد الأمريكي الضعيف على روسيا في أحداث سنة 2008 في جورجيا و2014 في أوكرانيا، تراجع دور أمريكا في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط وفي سوريا واليمن وليبيا، فشل أمريكا في منع الصين من تعزيز قوتها وتوسيع نفوذها في بحر الصين الشرقي والجنوبي، فشل أمريكا في ترويض كوريا الديمقراطية وإيران.

الهيمنة الأمريكية تقوم على ثلاثة ركائز (القوة الاقتصادية والقوة العسكرية والقوة الناعمة للهيمنة الثقافية)، ويذكر بول كينيدي إن استمرار الإنفاق بالاستدانة والمبالغة في تعزيز القوة العسكرية من أهم أسباب انحدار أي قوة عظمى، وتقدر تكاليف الحرب في العراق وأفغانستان بحوالى 44 تريليون دولار الأمر الذي جعل أمريكا على هاوية الإفلاس لولا تداركها الأمر، كما تضاءلت قدرتها في الوفاء بالتزاماتها العالمية وردع خصومها.

وذكر المفكر الأمريكي «نعوم تشومسكي» أن تراجع أمريكا بدأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وأن حصتها من الثروة العالمية انخفضت بشكل حاد، وأن خطاباتها السياسية في المباهاة بالانتصارات التي حققتها في التسعينات هو نوع من الخداع الذاتي.

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا لاحظ المحللون ضعف قدرات حلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيا وانسحاب بعض دول أوروبا -مثل المانيا وفرنسا- في الرضوخ للتوجيهات الأمريكية وأصبحت كل دولة تنفرد بالبحث عن طرق تحقيق مصالحها الاقتصادية وعدم مواجهة روسيا.. ويرى بعض المحللين السياسيين أن العالم في طريقه لأن يصبح متعدد الأقطاب، وأن روسيا وجمهورية الصين الشعبية سينافسان أمريكا على الزعامة والهيمنة، وقراءة التاريخ الإنساني على مر العصور تثبت أنه لا توجد قوة تستمر متفوقة إلى مالا نهاية.. هذه الحقيقة تجعل كثير من دول العالم تبحث عن مصالحها المتجددة -وفق المتغيرات العالمية الحالية وتوقعاتها المستقبلية- وتلجأ للدخول في تحالفات وتبادل منافع مع تلك القوى القادمة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store