Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

في الفرق بين الرواية والفيلم المقتبس منها

A A
أشرت في أكثر من مناسبة إلى اشتراك الرواية (المقروءة) في كتاب، والفيلم السينمائي المقتبس منها، في اتكائهما على الحكاية وعلى السرد.. وهو ما يجعل اشتراكهما في عناصر السرد الأخرى أمراً حتمياً؛ أعني الزمان والمكان والشخصيات والأحداث والحوار والوصف وغيرها من عناصر السرد وتقنياته.. لكن هذا لا يعني أنهما تجربتان متطابقتان؛ فطبيعة التجربة تجعلها تختار نظامها الإشاري، وتوجه تقنياتها السردية وفقاً لمقتضياتها.. يؤكد على ذلك كل من كوثر جبارة وضياء عبدالرزاق في ورقة مشتركة بعنوان (الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي): «يشترك السرد اللغوي المقروء (النص الروائي) مع السرد الصوري المرئي (النص الفلمي) باعتمادهما على سرد أحداث معينة وبوصفهما فنين سرديين تتوالى الأحداث في كل منهما بتحولاتها المختلفة».. لكن ما يجعل هذين النظامين السرديين مختلفين «هو طبيعة أنظمتهما العلامية ووسائطهما».. فالنص الروائي يعتمد أساساً على الكلمة، فيما يعتمد النص الفيلمي على الصورة والصوت.

ومن الضروري التذكير هنا أن الفيلم السينمائي (روائياً كان أو غير ذلك)، يعتمد غالباً على ما يسمى بالسيناريو أو نص الفيلم (script - scenario)، وهو مصطلح ظهر عام 1908، ليشير إلى النص الذي يعتمد عليه المخرج في صناعة الفيلم، حيث يقوم -في معظم الأفلام المقتبسة- كاتبٌ متخصص في كتابة السيناريو السينمائي بتحويل الرواية إلى مادة تصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً.. (يحتوي النص في العادة على كل التفاصيل المتخصصة بالأحداث والحوارات والشخصيات والخلفيات والملابس والإضاءة وحركة الكاميرا..)، من هنا يكون للفيلم السينمائي كاتب مختلف، غير مؤلف الرواية التي يقتبسها الفيلم، يُقصد به كاتب المنشور السينمائي (السيناريو).

لذلك يمكن أن يكون الفرق بين التجربتين (المكتوبة والمرئية) في طبيعة الحكاية، أو في التبئير (زاوية الرؤية)، وربما في الثيمة الأساسية للعمل، أو توجيه السرد، أو في اللغة والتقنيات السردية وزمن القصة والخطاب.. وقد يتباين تأثير العناصر بين الرواية والفيلم، أو يعاد ترتيبها من حيث الأهمية، بالإضافة إلى إمكانية التركيز على أحداث دون أخرى، وزيادة تفاصيل مختلفة، أو تغييرها، أو حذفها تماماً.. وإذا كان للرواية المكتوبة ظروفها الثقافية والاجتماعية وقوانينها الفنية، فإن للفيلم السينمائي أيضاً ظروفاً خاصة به، تتمثل في الجانب الفني التقني، الخاص بالكاميرا (حركة الكاميرا ونوعها وزاويتها، وزاوية اللقطة ونوعها)، ومسائل المونتاج المعقدة، وعالم التمثيل والممثلين، والإخراج، وتقنيات الصوت والسكوت والحركة والإضاءة والخلفيات والألوان..الخ).

وهذا ما حدا بفيصل الزعبي للتشديد على أن وظيفة السينما «ليست تقديم العمل الأدبي، كسرد حكائي للرواية، وتقديمها صنفًا أدبيًا»، بل إن «الفيلم السينمائي قراءة جديدة للعمل الروائي من زاويتين مختلفتين: زاوية بصرية (صوَرية)، وزاوية (درامية)، تختفي في روح شخصيات الرواية، في عملية تكاملية تشبه مهمة النقد، لكن بروح لا يلتقطها إلا السينمائي، إن كان كاتبًا للسيناريو، أو مخرجًا للفيلم.. أصبحت السينمائية كجندر فني قائم بحاله، له شروط البنائية الخاصة به».

@adelkazahrani

abonjla84@hotmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store