Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الصين.. في قلب العالم العربي

A A
شكَّلت زيارة الرئيس الصيني «شي جينبينغ» الأخيرة إلى الرياض ومشاركته في ثلاث قمم، سعودية وخليجية وعربية، مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، عنوانها المصالح المشتركة، ودافعها تعظيم المنافع وزيادة الأثر الاقتصادي، لتُعلن أن الدول العربية، وإن كانت لا تزال ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فإن ذلك لا يعني أنها لن تقيم علاقات مع الآخر، وفي ذات الوقت كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، فإن التعاون مع الصين لا يعني بالضرورة عدم التعاون مع الولايات المتحدة. بنظرةٍ سريعة إلى العلاقات الصينية مع الدول الأخرى، نجد أن بكين لا تُركِّز على الجوانب السياسية فقط، بل إن الجانب الاقتصادي ينال الأولوية، لذلك فهي تكتسب أبعاداً بالغة الأهمية في عالم اليوم الذي تزايدت فيه التحديات الاقتصادية، وأصبحت جميع الدول تتسابق للحاق بعالم المعرفة، واكتساب التقنية الحديثة وتوطينها، وهو ما تقدمه الصين استناداً إلى لغة المنافع البحتة، فيما تربطه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بحسابات سياسية معقَّدة، تمنح فيها الأولوية للإيديولوجيا، وهو ما نُشاهده في تمسُّكها بالتفوق التقني والعسكري لإسرائيل على حساب الدول العربية، حتى وإن كانت المصالح مع الأخيرة هي الأعلى شأنا.

ولأن التقنية والتكنولوجيا لم تعد حكراً على أمريكا وأوروبا - الغرب فقط، فقدت الدول الغربية الميزة النسبية التي كانت تتمتع بها على حساب الآخرين، فالتقنيات المتقدمة موجودة في الصين وروسيا، وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة... وغيرها من الدول الشرقية، لكن تمسُّك واشنطن بحساباتها القديمة، أفقدها عامل الجذب الرئيسي، وربما يؤدي إلى انفضاض بقية حلفائها التقليديين من حولها.

كذلك، فإن من أبرز سلبيات الدبلوماسية الأمريكية في العقود الأخيرة، غلبة العوامل الحزبية على المصلحة العليا للدولة، فقد تربّينا ونشأنا على أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، لا يملك رئيسها سوى تنفيذ السياسات المعروفة، لكن تلك الصورة الراسخة اهتزت بشدة في أذهان الكثيرين، وتحديداً منذ مجيء الرئيس الأسبق «باراك أوباما» إلى البيت الأبيض، حيث شهدنا الكثير من المشاكسات مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة، ومحاولة بناء تحالفات جديدة.

ومع أن الدول العربية تحديداً صبرت كثيراً على تلك السياسات، وغضَّت الطرف مرات عديدة عن تساهل «أوباما» مع النظام الإيراني، والذي وصل إلى توقيع الاتفاق النووي المعيب الذي بادر الرئيس السابق «دونالد ترامب» إلى إلغائه، والانسحاب منه، بمجرد توليه كرسي الرئاسة، إلا أن سياسات الرئيس الديمقراطي الحالي «جو بايدن» تسير على نفس منهج سلفه «أوباما»، فعادت المشاكسات التي لا يبدو أن الدول العربية باتت مضطرة لاحتمالها والصبر عليها.

ومن العوامل الأخرى التي ساعدت بكين على تعزيز مكانتها، وقوفها مع الدول العربية ودول العالم الثالث بصورةٍ عامة من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، ومكانتها السياسية البارزة، ووجودها المتعاظم في كافة مواقع صنع القرار العالمي.

بعيداً عن حسابات السياسة، تبدو الصين حليفاً أقرب للدول العربية وللعالم الثالث على وجه العموم، فالتجربة الصينية المدهشة تظل محل إعجاب عالمي، فالدولة التي كان ناتجها المحلي الإجمالي حتى عام 1981 يساوي 6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، استطاعت مضاعفة هذه النسبة حتى وصلت العام الماضي إلى 70%، مع توقعات بأن يتجاوز حجم الاقتصاد الصيني نظيره الأمريكي بحلول العقد المقبل. كذلك ربما يكون من المدهش القول: إن حجم الاقتصاد الصيني يبلغ خمسة أضعاف نظيره الفرنسي.

هذه التجربة الفريدة للاقتصاد الصيني؛ ستكون ملهمة للدول العربية كي تحذو حذوها، لا سيما إذا علمنا أن بكين أظهرت انفتاحاً كبيراً لتوطين التقنية في الدول العربية، عبر تأسيس مصانع لشركاتها الكبرى بدلاً عن الاكتفاء بالتصدير، وفي أحسن الأحوال إنشاء مصانع التجميع، كما تفعل الولايات المتحدة.

كما ذكرتُ آنفاً، فإن العلاقات بين الدول في عالم اليوم باتت تقوم على أساس المصالح المشتركة والمكاسب المتبادلة، لذلك فإن هذه اللغة باتت تصب في صالح بكين أكثر من واشنطن، لا سيما مع تزايد انتشار النهضة الصناعية والتقنية في الصين؛ التي لم يعد بيت في العالم يخلو من منتجاتها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store