Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

747

A A
خلال هذا الأسبوع، ودّع عالم الطيران أسطورة هندسية فريدة غيَّرت تاريخ النقل.. بعد فترة إنتاج استمرت ثلاثا وخمسين سنة، خرجت آخر طائرة جديدة من طراز بوينج 747 من المصنع في مطار «إيفريت» بولاية واشنطن في أقصى غرب الولايات المتحدة. وحتى إن لم تكن من عشَّاق الطيران، فستعرف شكل هذه الطائرة المميَّزة بالقبة الكبيرة في مقدمتها، وحجمها العملاق.. كانت «دبة» الطائرات التجارية، إن صح التعبير، وهذا الوصف بسبب حجمها الهائل، فهي تغطي مساحة تُعادل نصف ملعب كرة قدم، وجناحها الهائل يغطي مساحة تعادل ما يكفي لوقوف حوالى ستين سيارة من طراز «كامري».. ووزنها يصل إلى حوالى أربعمئة وأربعين ألف كيلوجرام، وبالرغم من عمرها وحجمها، فلا تزال أسرع طائرة عاملة في العالم اليوم، فهي تُحلِّق على سرعة تُعادل سرعة الرصاصة الخارجة من فوّهة المسدس من عيار 45.. ما يُعادل تقريباً طول ثلاثة ملاعب كرة قدم دولية في «الثانية».. والركاب بداخلها لا يشعرون بتلك السرعة. وهي ضمن قائمة العجائب الهندسية في التاريخ الحديث.. كانت سابقة لزمانها بمراحل في السلامة، والاقتصاد، والراحة، وهذه هي أهم عناصر النجاح في النقل الجوي.. وهناك المزيد، فبالرغم أنها كانت تحرق ما يُعادل حوالى درزن علب بيبسي في الثانية الواحدة من الوقود، كان تشغيلها اقتصادياً بسبب سعتها الجبارة، فيمكنها استيعاب أكثر من خمسمئة راكب لو اضطر الأمر، ومعظم الشركات شغلتها بسعة حوالى أربعمئة وأربعين راكبا. ولو تأملنا في تألّقها الهندسي فسنبدأ بالمصنع.. عندما بدأت شركة بوينج في إنتاج الطائرة عام 1967، لم تكن هناك منشأة تستوعب حجم الطائرة العملاقة، فتم بناء مصنع جديد في فترة قياسية بلغت أقل من مئتي يوم في أشد مواسم المطر في ولاية واشنطن. وكان، ولا يزال المصنع هو أكبر مبنى في العالم حجماً، حيث يغطي مساحة تبلغ حوالى أربعمئة ألف متر مربع، أي ما يفوق مساحة 56 ملعب كرة قدم.. فضلا لاحظ تردُّد رقم الأربعمئة.. سعة الطائرة حوالى أربعمئة راكب.. أقصى وزن لها حوالى أربعمئة طن.. مساحة المصنع حوالى أربعمئة ألف متر مربع.. وحجم المبنى حوالى أربعمئة وستين مليون قدم مكعب.. كلها صُدَف طبعاً، ولكنها طريفة.

وعلى سيرة طرائف الأرقام، فتتكون هذه الطائرة العملاقة من حوالى ستة ملايين قطعة يتم تصنيعها في أكثر من ستة آلاف جهة مختلفة في دول مختلفة خارج الولايات المتحدة، ومنها: اليابان، وأستراليا، والصين، وإنجلترا، وإيطاليا، وألمانيا. وقد غيَّرت العالم بالفعل، إذ يقدر أنها غطَّت مسافة جوية تبلغ حوالى ثمانين بليون كيلومتر منذ بدء تشغيلها.. ويعادل ذلك أكثر من مئة ألف رحلة من مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة إلى بحر السكون على سطح القمر.. ذهاباً وإياباً.

وأخيرا، فهذه الطائرة تُمثِّل قصة نجاح رائعة، فقد باعت شركة بوينج (1572) من هذا الطراز على مدى نصف قرن بدون انقطاع بالرغم من مرور عالم الطيران التجاري بأزمات هائلة ومنها: ارتفاعات أسعار النفط، والحروب، والأعمال الإرهابية، والأوبئة.. وللعلم فقد ارتفع سعر الطائرة بما يعادل حوالى مئة مليون ريال عام 1969 إلى حوالى ألف وخمسمئة مليون ريال عام 2022. وللمقارنة بمبيعات منافسيها، فعدد طائرات اللوكهيد ترايستار التي تم بيعها كانت (250) طائرة.. وباعت مجموعة الإيرباص (377) طائرة من طراز 340.. و(251) طائرة من طراز 380.. و(446) من طراز دي سي 10.. وكلها «تفاريق» بالنسبة للبوينج 747.

* أمنيـــــة:

كانت الخطوط السعودية هي أكبر مُشغِّل للبوينج 747، بأكبر عدد من الطرازات المختلفة عبر أكثر من أربعين سنة، وفتحت إحدى أهم البوابات الجميلة للحج والعمرة، فيسَّرت الرحلات في العالم الإسلامي. أتمنى أن نتذكَّر تاريخ هذه الطائرة الرائعة من جوانبه الهندسية، والتشغيلية، والاجتماعية، والاقتصادية.. فتاريخها يستحق التدوين.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store