Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

جدة: قُبّة الكتاب وشُرفةُ الثقافة

A A
أصبح مشهداً مألوفاً الدكتور محمد حسن علوان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر يتنقل بين أروقة المعرض وفي قاعاته المختلفة، ليحل مشكلةً، أو يستقبل ضيفاً، أو يحضر فعالية ثقافية.. الدكتور عبداللطيف الواصل (مدير عام الإدارة العامة للنشر) يمر على دور النشر والمعارض ليتأكد من سير العمل وفقاً لما خُطط له، ويحرص على تذليل العقبات أمام الناشرين والمستفيدين.. شباب وشابات من أبناء هذا البلد الغني بإنسانه يتوزعون في كل مكان من أرجاء المعرض؛ يستقبلون الجماهير بالابتسامات والتحايا التي تبهج القلب، وتشرح الخاطر.. هم كذلك في الخدمة، جرّب أن تسأل إحداهن أو أحدهم ليبادر بالإجابة عن سؤالك وخدمتك وأكثر حتى تفيض الغبطة من روحك جراء ما تلقى من اهتمام وترحيب ومساعدة.

أتحدث هنا بطبيعة الحال عن معرض جدة للكتاب الذي انطلق الأسبوع الماضي، ويستمر حتى بعد غد السبت.. عشرة أيام من السياحة الثقافية المحترفة.. عاد معرض جدة ليضيء سماءها من جديد، ويصبح نجمة في سماء ثقافة الوطن، نجمةً حرصت وزارة الثقافة وهيئة الأدب والترجمة والنشر على أن تظل مشعةً تليق بالمكان وإنسان المكان.. فلطالما كانت جدة شرفة ثقافية للوطن والعالم، واجهةً تستمد دفئها وهي تجاور الحرمين الشريفين، وتتكئ على شاطئ تترامى ضفته الأخرى في عمق التاريخ وعبقه.. لذلك كان اختيار مكان المعرض هذه المرة (أعني قبة جدة، الأيقونة الهندسية المدهشة) اختياراً في محله، وضربة معلم، أضفت على حسن التخطيط والتنظيم طابعاً جميلاً وخاصاً، حين يجد الزائرون أنفسهم في رحلة طواف مستمرة حول الكتاب والمعرفة.. يطوفون بقلوب عامرة، وأرواح نهمة على المعرفة والجديد مما يتيحه العلم، وتتيحه التكنولوجيا في كل صنوف المعرفة ومجالات العلم، أعتقد أن تصميم القبة أسهم كثيراً في تنظيم المعرض تنظيماً مريحاً وجذاباً في الوقت نفسه.. ترتص دور النشر بشكل دائري، وتتخللها المقاهي، ومناطق القراءة، ومسارح الفعاليات الثقافية، بوجود عدة مداخل تجعل الدخول والخروج مسألة أكثر انسيابية وسهولة.

كنت في المعرض خلال أيامه كلها تقريباً، وكانت الأصداء والانطباعات تصلني من الجميع؛ تثني على المعرض، وعلى التنظيم، وعلى الجهود المبذولة.. بعضهم لاحظ بعض القصور في الإعلان والتسويق للمعرض قبل انطلاقه، وربما أشار آخرون إلى مزامنة الحدث لكأس العالم (وهو تفصيل لم يتجاوزه المنظمون، فوضعوا شاشات خارجية للجماهير للاستمتاع بالمعرض، وعدم تفويت مباريات البطولة)، وتكررت طبعاً الملاحظة الدائمة: عشرة أيام لا تكفي.. (وهل ستكفي عشرة أشهر؟ أشك في ذلك، من يكتفي من المعرفة!؟).

امتدح أكثر من صديق الهاجس المستمر نحو التطوير؛ تطوير المعرض وخدماته، تطوير المحتوى الثقافي والمعرفي، والحرص على الوقوف على أحدث ما وصلت إليه العلوم والتقنية في خدمات النشر والطباعة والتربية وتثقيف المجتمع بكافة أطيافه.. ولعلنا لاحظنا أن سؤال مؤتمر الناشرين الذي نظمته الوزارة في المعرض أيضاً كان يتمحور حول المستجدات في عوالم النشر الإلكتروني والتسويق الرقمي ومستقبل صناعة الكتاب والمحتوى المعرفي مع التطور المستمر في تقنيات الاتصال والبرمجة والتفاعل.. وهو ما يحيل على رغبة واضحة وحرص من المسؤولين على استمرار عملية التطوير ومواكبة ما يستجد في هذه الحقول، وهكذا يتحول المعرض إلى فرصة مواتية لرؤية كل جديد في مجالات النشر والطباعة والتسويق للمعرفة، وهذا بُعدٌ جديد ومهم كما ترون؛ إذ لن يكون الزائر أمام الجديد مما أنتجته المعرفة وحسب، بل أمام آخر منجزات صناعة المعرفة في العالم كذلك.

ناداني أحد الأصدقاء وأنا أقف أمام المسرح الكبير الذي يقبع في قلب المعرض (منتصف القبة)، سلّم عليَّ، وعرفني على أفراد عائلته حفظهم الله.. ثم عبّر لي عن إعجابه ودهشته مما يرى، كان مبتهج الروح وهو يصف المعرض والمكان والتنظيم.. ثم توقف أمام البرنامج الثقافي ليقول: وضعني البرنامج بتنوعه ورشاقته وشموليته أمام مأزق حقيقي.. برامج للأطفال، وأخرى للكبار، ورش عمل في كل التخصصات، وندوات حوارية وجلسات ثقافية تستضيف أكبر الأسماء وأهمها في عالم الكتابة والثقافة، وحفلات موسيقية وفنية متنوعة وشهية.. «كل هذا يجعلني أتحسر على الأنشطة التي لم أستطع حضورها.. الحل الوحيد أن أستأجر شقة بجوار المعرض، لكي لا يفوتني ولا عائلتي أي شيء.. والله يعين على الميزانية».. قالها ضاحكاً طبعاً، ثم غادر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store