Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

مفهوم «الزاني لا ينكح إلا زانية»

A A
الزنا كمعصية يعد من كبائر الذنوب التي توعد الله عليها بالعذاب إن لم يتب صاحبها إلى الله لأنها من الفواحش بل أسوأ فاحشة لأنها تورث الأمراض وتناقل الميكروبات خاصة الفيروسات والبكتريا والفطريات، وأعظمها إثمًا لأنها تمس النسل والنفس والحياة، والله سبحانه وتعالى يقول عن الزنا (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلً) وقد شرحت في مقالات سابقة أضراره من الناحية البيولوجية والطبية، ومادام أنه ذنب عظيم وإثم مبين ومعصية كبيرة فإنه عند لحظة اقترافه وساعة إتيانه وممارسته ينتفي عن من يمارسه الإيمان لقوله عليه السلام (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فانتفاء الإيمان لحظي مع بقاء وصف الإسلام وفقًا لعقيدة أهل السنة والجماعة لأن صاحب الكبيرة لا يخرج من الملة بعكس بعض الجماعات التي تكفر مرتكب الكبيرة التي منها الزنا، فيتحقق في من يفعل الزنا قول الله سبحانه وتعالى (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي لحظة اقتراف الزنا لا يجامع زاني إلا زانية مثله أو مشركة لا ترى في ذلك حرامًا وكذلك لا تجامع زانية إلا زانيًا مثلها أو مشركًا لا يرى في ذلك حرامًا، وهنا يحدث مفهوم خاطىء عند البعض وهو أن من زنا ذكرًا كان أو أنثى لا يجوز له بعد ذلك إلا أن يتزوج زانية أو هي تتزوج زانيًا على اعتبار أن المقصود بكلمة ينكح أي يتزوج وهذا عكس ما يفسر به ابن عباس رضي الله عنه الآية بأن المراد من كلمة النكاح هنا أي الجماع وقت الزنا وليس معناه الزواج فيكون المقصود أنه لا يرضى بفعل الزنا إلا زانية مثله وكذلك الزانية لا يرضى بفعلها إلا زان مثلها.

إن الآية نزلت في الصحابي الجليل مرثد الذي كان في الجاهلية على علاقة بامرأة زانية اسمها عناق فعندما أسلم وتاب وذهب إلى مكة المكرمة بعد إسلامه وتوبته التوبة الصادقة رأته عناق وذكرته بأيام الجاهلية وطلبت منه ما كان يمارسه معها في الجاهلية إلا أنه رفض وقال لها إنه قد أسلم ثم تركها وعاد إلى المدينة المنورة وقلبه لا يزال متعلق بها ولكن هذه المرة يريدها بالحلال فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أن يتزوج عناق فلم يجبه عليه السلام حتى نزل قوله تعالى (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فقال له عليه السلام حرام ولا يجوز لك أن تتزوجها لأنها مشركة وزانية.

من المغالطات أن نجعل من يقع في الزنا أو من تقع في الزنا سواء بارادتهما أو غصبًا عنهما بأن لا يجوز لأحدهما بعد التوبة إلا أن يتزوج كل واحدٍ منهما بزانية أو مشركة، فهذا الفهم يتناقض مع أصل من أصول الدين وهو أن التوبة تجب ما قبلها لأن من تاب تاب الله عليه ولا يحول بين الإنسان وربه أحد والله يفرح بتوبة عبده وعودته إليه ما لم تغرغر وتبلغ الحلقوم، وقد تكون التوبة بينه وبين الله أو قد يصر البعض على تطهير نفسه من الذنب بإقامة الحد عليه، وكان عليه السلام يرد بعض حالات من يقع في الزنا إن جاءه معترفًا سترًا أو تأكيدًا لوقوع ما حصل، وغلظ القرآن الكريم فيمن يقذف غيره بالزنا دون أربعة شهداء وخاصة قذف النساء والبنات وهو ما يجب أن يتجنبه كل مسلم ولا يتسرع في إطلاق وصف قد يكون عليه فيه عقوبة إذا لم يثبت، حفظ الله الجميع بما يحقق طهارة النفس والجسم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store