Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

إلى متى سيستمر عقوقنا للغة العربية؟!

A A
لغتك، هي هُويتك وهوية وطنك، وتاريخ آبائك وأجدادك، وما حققوه من إنجازات، وما كوّنوه من حضارات، فكيف إن كانت لغتك هي لغة الإسلام، دينك، المتمثلة في كتاب الله (القرآن الكريم)، وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-؟، وحفاظًا على كل ذلك؛ عليك الحفاظ على لغتك العربية، وتعليمها لأولادك وأحفادك، على أن تكون لغتهم الأم.

للأسف، فرَّط كثير مِنَّا في لغته، وبات الموسرون منا والمثقفون يستقدمون مربيات أجنبيات للعناية بأطفالنا، يتحدثون معهم بلغات أجنبية، وندخلهم مدارس أجنبية، ثم نلحقهم بجامعات أجنبية، وعندما يتقدمون للعمل لم تشترط جهات العمل إجادة اللغة العربية تحدثًا وكتابة إلى جانب إجادة اللغة الإنجليزية.. وهكذا لا نجد مجالًا للغة العربية ليتعلموها، ويتحدثون ويكتبون بها!. لكم آلمني وأنا أُتابع افتتاح أحد المهرجانات العربية السينمائية في مدينة عربية؛ اعتمد اللغة الإنجليزية لتكون لغة المهرجان، والحضور كله عربي باستثناء بعض الأجانب الذين يعدّون على أصابع اليد، والذين لا يتنازلون عن لغاتهم الأم في المهرجانات التي تُقام ببلادهم.

كما آلمني أكثر عندما سأل مقدِّم برنامج -بثَّته على الهواء إحدى القنوات العربية الفضائية- أحد المشاركين بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، بأية لغة تتحدَّثون في بيتك؟، فقال بعدة لغات، أمّا اللغة العربية فتفهمها بناتي، ويقرأن بها القرآن، ولكن نتحدث معًا بالإنجليزية وبلغاتٍ أخرى، وعندما طلب مُقدِّم البرنامج من مشاركة أخرى التعليق على ما سمعته، أجابت بأنّها عبقرية منه أن يتحدث مع بناته بالإنجليزية، لأنّ اللغة العربية متجمّدة غير متطورة، فقد أعطت لنفسها حق انتقاد لغة القرآن الكريم عن جهل تام، فهذه اللغة هي التي اختارها الله تعالى لتكون لغة خاتمة كتبه السماوية.

هجر كثير منَا اللغة العربية في بيته، وبتنا نتحدث مع أولادنا بلغة من احتلنا واستعمرنا، بل ونجد ما يُعزِّز الانصراف عن تعلمها في العديد من البلاد العربية، منها:

1. اعتماد اللغات الأجنبية في الندوات والمؤتمرات والمهرجانات ووسائل الإعلام كلغة أساسية.

2. تبني مسميات أجنبية لبرامج تلفازية ومسلسلات وأفلام عربية، وأماكن ترفيهية، ومنح سجلات تجارية لمحلات وشركات بمسميات أجنبية، وكذلك منح تراخيص لفعاليات ومبادرات ومشاريع بمسميات أجنبية.

3. كثرة عرض برامج وأفلام بلغاتٍ أجنبية على وسائل إعلام عربية، ولاسيما الخاصة منها، بما فيها الموجَّهة للأطفال، وخطورة هذا لا تكمن في اللغة فقط، ولكن فيما تبثه تلك البرامج والأفلام من ترويج للعلاقات غير الشرعية، والعنف، وبذلك يتم تحويل هوية أولادنا إلى الهوية الغربية لغةً وسلوكًا وانتماءً.. وللأسف نجد مشاهد مخلة في بعض المسلسلات التلفازية، وكل هذا يبدو عاديًا ويتقبله المجتمع.

4. كثرة الأخطاء الإملائية واللغوية في عناوين الأخبار في مختلف الفنوات التلفازية والصحف العربية، فنجد كثير من مقدمي ومقدمات البرامج والأخبار يُخطئون في أحرف الجر، والأدهى؛ عندما نجد أخطاءً لغوية وإملائية في كتب مناهج دراسية، رغم وجود مدققين لُغويين لها.

5. تقاعس القائمين على مجامع اللغة العربية والمختصين عن مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي اللذيْن يشهدهما العالم في تعريب المصطلحات الأجنبية لمختلف العلوم، وإنشاء لجان متخصصة لتعريب العلوم، وغياب دور المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وغيرها من المنظمات الرسمية المعنية بالحفاظ على اللغة والثقافة العربيتيْن.

ونحن نحتفل باليوم العالمي للغة العربية الموافق 18 ديسمبر من كل عام -وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر 1973، بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته السعودية والمغرب خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو- لابد من وقفة جماعية موحدة من حكومات الدول العربية والمجامع والمنظمات العربية المهتمة باللغة العربية للعمل على حمايتها، وإعادتها إلى المكانة التي كانت عليها، باتخاذ القرارات التالية:

1. تكوين لجان ترجمة متخصصة لترجمة مختلف العلوم والآداب إلى اللغة العربية ترجمة سليمة.

2. أن تكون اللغة العربية لغة المناهج في جميع المراحل الدراسية.

3. تعميم مشروع الأمير خالد الفيصل في كافة مناطق المملكة، والدول العربية، الذي أطلقه عام 2018 بأن تُكتب عناوين المحلات التجارية والمطاعم والأماكن باللغة العربية حتى لو كانت مسميات لشركات أجنبية، ويكتب الاسم باللغة الأجنبية أسفل الاسم بالعربي، وبحروفٍ أصغر.

4. وضع مناهج المدارس والجامعات الدولية تحت إشراف وزارات التعليم والتعليم العالي، وإلزامها بتدريس اللغة العربية والتاريخ الإسلامي.

5. أن تكون اللغة العربية هي اللغة الأساسية للمؤتمرات والمهرجانات التي تقام على أراض عربية.

6. أن يكون إتقان اللغة العربية تحدثًا وكتابة شرطًا أساسيًا في التوظيف الحكومي وفي القطاع الخاص.

7. إنشاء هيئات رسمية تعني باللغة العربية وحمايتها والحفاظ عليها.

وأخيرًا أقول: علينا أن نُخرج الدُر الكامن في أحشاء بحر اللغة العربية؛ جوابًا عن سؤال الشاعر «حافظ إبراهيم» في قصيدته: (اللغة العربية تتحدّث عن نفسها) التي جاء في مطلعها:

أنا البحرُ في أحشائِه الدر كامنٌ

فهل سألوا الغوَّاصَ عن صدفاتي؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store