Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

مآسي الأندلس

A A
محمد عبدالرحمن البشر حاصل على الدكتوراة في الاقتصاد وعمل بالتدريس في جامعتي الملك سعود والملك فيصل، ومارس أعمالاً إدارية عديدة، إلا أن نجاحاته الأكثر كانت في عمله الدبلوماسي حيث عين سفيراً للمملكة لدى جمهورية الصين الشعبية بين 2000 و2004، ثم سفيراً مفوضاً لدى المملكة المغربية بين 2004 و2014، ثم سفيراً لدى الامارات العربية المتحدة بين 2014 و2018.

الميول الأدبية وجانب المفكر والأديب ظهر في مؤلفاته التي تجذبك لقراءتها، وفي فترة عمله سفيراً لدى المغرب وعند عودته الى منزله كان يستمتع بالقراءة في تاريخ الاندلس، فيطرب لكل شعر جميل ونثر فصيح وقول مليح، ووجد في هذا التاريخ الكثير من المآسي التي آلمته، بسبب عوامل هدم داخلية بينها المصالح الشخصية وغلبة الأحقاد ولذة النساء وحب الولد، وعوامل هدم خارجية وجدت فرصاً للنفاذ وتمزيق حكم الأندلس التي كانت حضارتها محطة عبور العلوم الى أوروبا لحقبة زمنية طويلة.

في كتابه «مآسي الأندلس» الصادر عام 1429هـ في 291 صفحة، حاول الدكتور البشر تحليل وتلخيص عوامل فتح الأندلس ثم سقوطها واندثار حضارتها العظيمة.. فتح المسلمين للاندلس كان وراءه امرأة، حيث أرسل «جوليان» حاكم سبتة ابنته إلى «لدريق» حاكم بلاد الغوط لغرض تأديبها بالآداب الملكية، إلا أنه اشتهاها وواقعها.. فشجع حاكم سبتة المسلمين على فتح الاندلس انتقاماً لابنته.. واشترك العرب والبربر في فتح هذه البلاد ونشر الإسلام تاركين الحرية لمن أراد البقاء على دينه.

دخل عبدالرحمن الداخل الاندلس وعمره 42 سنة واستطاع بحنكته وحزمه أن يؤسس دولة قوية ساد صيتها الآفاق آنذاك، بعد وفاته تولى الحكم ابنه هشام وكان ورعاً، وجاء بعده ابنه الحكم ابن هشام الذي كان منهمكاً في لذاته ومتغطرساً.. حيث قتل الكثير من علماء الدين في موقعة «الربض»، ثم جاء بعده عبدالرحمن بن الحكم الذي سار على نهج أبيه في البذخ وبناء القصور والاحتجاب عن الناس، كما أحب الموسيقى والطرب والاختلاط بالنساء، وذاعت شهرته مع حظيته «طروب» التي سلمها مفاتيح قلبه وأموره، وعندما مات عبدالرحمن الأوسط خلف وراءه 150 ابناً ونحوهم من البنات.. ثم انتقلت الامارة الى ابنه محمد ثم المنذر بن محمد ثم عبدالله بن محمد حتى وصلت الى حفيد عبدالله «عبدالرحمن الناصر» الذي شيدت في عهده الكثير من رموز الاندلس العلمية والعمرانية.. ثم استمر المؤلف في تحليل العديد من العهود بما فيها «حكام الطوائف» وبعدهم «المرابطون» مروراً بالحاكم يوسف ابن تاشفين والذي مات وعمره 100 عاماً، وتولى بعده ابنه علي.. إلا أن مآسي الأندلس استمرت في التدفق «تدفق السيل من قمم الجبال، وكلما اطمأن الناس لفترة خرج من يشعل الفتنة ويدق طبول الحرب».

في ظل حكام الطوائف سقطت طليطلة وفي نهاية حكم المرابطين سقطت «سرقسطة وتطلية وما حولها» إلى أن زال سلطان المسلمين.. ثم وصل الحكم الى محمد الناصر الذي كان عمره 17 سنة وعرف بسوء تدبيره، إلى أن حدثت موقعة العقاب المشهورة التي كانت عقاباً لكل ما فعله الاندلسيون والمرابطون والموحدون، وكانت أكبر كارثة في بلاد الاندلس..

لا يتسع المقال لذكر جميع التفاصيل، إلا أن الخلاصة توضح سيطرة لذتين على الأحداث، لذة السلطة التي تجعل التضحية بالناس والأرض والمال مباحة في سبيل الوصول لها، ولذة الشهوة التي تجعل الحاكم الاندلسي يضعف أمام الجواري والزوجات والأبناء والشراب، فيضحي بحسن التدبير وتولية الخبير والحفاظ على بيت مال المسلمين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store