Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الأمطار.. هل تشفع لسد قنونا؟!

A A
السؤال المباشر حول السدود المائية هو عن الغاية من إنشائها؛ فهناك من يرى أن الغاية منها هي توفير مياه الشرب، وهناك من يراها لسقي المزارع، وهناك من يراها لرفع منسوب المياه الجوفية، وهناك من يراها لجعل المكان (السد) منتجعًا سياحيًّا ومقصدًا للزوار، وهناك من يراها لتوظيف الشباب في نقاط البيع والمطاعم والمحلات التي ستقوم حول السد. كل هذه الغايات تقف وراء قيام السدود مع تفاوت بينها من سدٍّ لآخر، بحسب حجم السد وموقعه وكمية المياه المخزنة فيه.. وغير ذلك. الأمر الجدير بالملاحظة هو مسألة (فتح بوابات السدود لتصريف كميات هائلة من مياهها)، وهذا الفتح لا نكاد نسمع به إلا في مواقع محدودة ولسدود بعينها، فهل سمعتم من قبل بفتح بوابات سد أبها لتصريف ملايين الأمتار المكعبة لسقي المزارع والآبار التي خلفه؟، هذا وهو السد الذي يقع في منطقة أمطارها غزيرة طوال العام. عندما ننظر للسدود الأخرى (سد قَنَوْنا مثلًا -بمحافظة العُرضيات- أقصى جنوب منطقة مكة) نجد أن وزارة البيئة والمياه والزراعة تفتح بواباته كل عام بحجة سقي المزارع وتغذية الآبار التي خلفه. المفارقة هنا هي أن سد قنونا حديث الإنشاء، بالتالي فإن كميات المياه التي خلفه لم تبلغ -حتى اليوم- نصف الكمية المستهدفة لامتلائه، وهي (20.19) مليون م٣، ومع هذا نرى بواباته تُفتح كل عام، ويتم تصريف ما يقرب من (١٥) مليون م٣ خلال شهر كامل.

هذا التصريف يأتي تحت مبرر سقي المزارع وتغذية الآبار، وهنا نقول: إن الوادي (وادي قنونا الذي عليه سد قنونا) لم يعد يجري من أعلاه إلى مصبه بكميات هائلة من السيول الهادرة، وذلك منذ عدة عقود، وأهل الوادي يعلمون ذلك جيدًا، وبالتالي فإن المزارع التي خلف السد إنما تُسقى -منذ عقود- بمياه السيول التي تأتي من الشعاب التي خلف السد، أما مسألة تغذية الآبار؛ فإن مياه السد تتسرب منها كميات عبر مسارب الأرض وعلى امتداد الوادي، وبالتالي تستفيد الآبار المحيطة بالسد وتلك التي تقع خلفه، وبالنسبة للمياه المحجوزة خلف السد؛ فإنها أيضًا لم تأتِ نتيجة سيول هادرة أتت من أعلى الوادي؛ وإنما هي من الأودية الصغيرة والشعاب القريبة منه.

لذلك ونتيجة التصريف الذي تم في سد قنونا فقد انخفض منسوب مياهه بشكل كبير وانحسر ارتداده بشكل واضح، حتى أن الناظر إليه يرى الفارق الكبير -من خلال أثر المياه في الجبال المحيطة بالسد- بين ما كان عليه ارتفاع المياه قبل التصريف، وما صار إليه اليوم، هذا التصريف تم ومياه السد -كما ذكرتُ- لم تبلغ نصف الكمية المستهدفة لامتلائه، ولذلك يتعجب زوار السد من الحال التي وصل إليها منسوب المياه فيه حين يرونه، وقد أصبح شبيهًا (ببركة مياه).

العادة أننا لا نسمع عن تصريف المياه إلا إذا خيف على السد من زيادة المياه عن الكميات المستهدفة، وهذا حصل مع (سد بَيش) أكثر من مرة، لكن أن يأتي التصريف لمياه لم تبلغ نصف الكمية المستهدفة لامتلاء السد؛ فهنا ترتسم علامات التعجب. السؤال الآن هو: لماذا لا تُنحِّي الوزارة عملية التصريف بحيث لا يكون سقي المزارع والآبار إلا بالمياه الزائدة عن طاقة السد -بعد امتلائه- حيث إن للسدِّ مخارج (مغيض) جاهزة فوق جسمه، يذهب الماء الزائد من خلالها؟، أو توقف الوزارة عملية التصريف (حتى يمتلئ السد) ثم تُصرف منه كل سنة كمية محدودة؟، ثم إن كميات الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الفترة الأخيرة على مناطق عدة ومنها: (الأماكن التي وراء سد قنونا) أروت الآبار وأسقت المزارع، وهو ما يجعلها تشفع لمياه السد عند الوزارة، بحيث تؤجل فتح بوابات السد سنتين أو ثلاث للأمام؛ توفيرًا لمياه السد، وحفظًا لماء وجهه، وإبقاءً لشيء من جماله الذي لا يكون إلا ببقاء مياهه التي تجذب الزوار والسائحين، وإغراءً للمستثمرين الذين لن يستثمروا فيه متى نضبت مياهه، وأصبح شبيهًا ببركة مياه محدودة الأبعاد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store