Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

جمال لغتنا بين نقطة وصفر!

A A
للغتنا العربية من جمال الوصف والتعبير ما ليس في غيرها من لغات العالم، ولحروفها مجتمعة أو منفصلة ميزة اشتقاق الكلمات في زيادة وعدد مفرداتها، ومن خصائصها القلب والإبدال والحذف والإدغام والاشتقاق والدمج.. ولكلِّ حرف من (ألفبائها) معانٍ عدَّة ومقاصد.. فمن حرف السين مثلًا: (سموُّ وسرور وسعادة وسير وسراب...)، ومن حرف الصاد: (صلة وصداقة وصدق وصاحب وأصحاب...) الخ.

ولكلٍّ من أحرفها استقلالية في ابتكار الكثير من المعاني والأوصاف.. وحتى النقطة لها دورها في الاشتقاق والتعبير والتفرُّد في استقلاليتها.. إذا دخلت على كلمة أعطتها حرية التعامل مع الرأي والرأي الآخر.. فلو أُسقطت على كلمة (العرب)، تحوِّلها دون تغيير الحروف وبلا زيادة أو نقصان إلى (الغرب).. والغرب من (الغروب والتغريب والغربة)، ولكل معنى دون سواه... فيا لها من نقطة! وهذا ما نراه في المجتمعات الغربية من غربة جهل، أو تجاهل عن واقع أمة العرب وحضارتها وما قدمته للبشرية من علم وتعليم ومعرفة.

وليس إلا عن حكمة أن اختار جل جلاله من العرب أنبياء ورسل، وأنزل على نبيِّنا الكريم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام القرآن الكريم بلغتهم، فحفظها لهم، كما حفظ الذكر الحكيم من التحريف والتبديل مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).. وقد أثار هذا الترابط بين اللغة العربيَّة والقرآن الكريم حفيظة المستعمرين من أهل الغرب، فعمدوا بمحاولات يائسة لكتابة العربية بأحرف لاتينية أملًا منهم في استغناء العرب والمسلمين عن قراءة اللغة العربية بأحرفها التي تفتح أبواب التفسير وإعجاز القرآن.. ليخيب ظنهم وتحبط محاولاتهم ويرتدُ كيدهم إلى نحورهم.

ولغتنا الجميلة، أمِّ اللغات وأقدمها وأوسعها انتشارًا، وأكثرها تفرُّعًا ولهجات.. ولكلِّ واحدة من مفرداتها جرس موسيقي وإيقاع يميزها من سواها.. أمَّا رسم كتابتها، فتتميَّز حروفها بمرونة بخطوط هندسيَّة زخرفيَّة تزِّين دور العبادة والقصور، وعلى جدران البيوت، وفي الساحات، وفي بطاقات التهاني ودعوات المناسبات.. ولم يتوقف الغزو الاستعماري عن عدوانه ومحاربته الحرف العربي، فاتجه في بلدان عربية الى دفع شبابها دمج اللغة العربية باللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية في محادثاتهم، بما قد يفسَّر عجزًا في اللغة العربية عن استيعاب مستجدات العصر في العلوم والبحوث.. لكن فاتهم أنَّ الطب وهو من أصعب وأدق مواد الدراسة بدأ تدريسه باللغة العربية في سورية منذ نشأة جامعة دمشق.. ففي عام 1919 افتتح معهد الطب العربي الذي شكَّل، مع معهد الحقوق بدمشق، نواة الجامعة السوريَّة التي تأسَّست رسميًّا سنة 1923، وتغير اسمها فيما بعد إلى (جامعة دمشق).. وقد بدأت حركة تعريب الطب منذ إنشاء المعهد، الذي تحوّل إلى كليّة الطب لاحقًا.. والتعريب مستمر، وتُعنى مجامع ومجالس لغوية متمكنة من آداب اللغة العربية ومن آداب اللغات العالمية، وفي مقدمتها (مجمع الملك فهد) لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة الذي أشرف على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات العالمية، ولغات الشعوب الإسلامية.. والترجمات متوفرة وبالمجان في المراكز الإسلامية حول العالم.

وتبقى اللغة العربية والحرف العربي مواظبة على تأدية مهامها ما دامت الحياة مستمرة فوق الأرض.. والحال ذاته مع الأرقام العربية التي سهَّلت العمليات الحسابية والهندسية باعتمادها عدد الزوايا في رسم كل عدد.. فالواحد، يُرسم بزاوية واحدة، والاثنان بزاويتين متلاصقتين، وهكذا بدلًا من الأرقام اليونانية.. ولا يغيب عن البال اختراع العرب الصفر الحسابي على شكل دائرة لمواصلة العدِّ.. وما تزال الأحرف العربية والأرقام العربية هي الأساس في علم الرياضيات والهندسة.. لغة قيَّد الله لها -جلَّت قدرته- البقاء إلى ما شاء حتى قيام الساعة، فنعم بالله الذي ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمِ﴾.

أَما وأنا على وشك وضع اسمي على آخر مقال لي في هذا العام 2022، يجدر بي أَنْ ألخّص موجزًا حال لغة القرآن الكريم، ولغة السماء على الأرض.. ونحن نستقبل عام 2023 راجين فيه نعمة من الله وبركة تعم الكون قاطبة.. فلغتنا الآن هي واحدة من ستِّ لغات معتمدة في الأمم المتَّحدة.. ترتيبها العالمي الرابعة.. لغة رسميَّة في (26) دولة ويتحدَّث بها أو يجيدها سكَّان (60) دولة وعدد مفرداتها (كلماتها) (12) مليون والناطقون بها (422).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store