Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن عربي المغربي

ذكريات.. في مجلس أحمد كعكي

A A
في تلك الحقبة الماضية عشنا واقعاً وشاهدنا أمام أعيننا رجالاً لم ينالوا الشهادات العليا، ولم يجلسوا على مقاعد مدرجات القاعات الجامعية، ولكنهم درسوا في مدرسة الحب والنقاء، وبذلك امتلأت نفوسهم صفاءً وورعاً، وعندما استقر بهؤلاء الرجال المقام في مكة المكرمة -مهبط الوحي ومنبع الرسالات السماوية- توطدَّت علاقتهم بالمجتمع المكي، وفي مجلس العم أحمد كعكي -رحمه الله رحمة الأبرار والصالحين- بأم الجود في تلك الحقبة، كان هناك كثير من الرجال أمثال: الشيخ عبدالله بصنوي عمدة حي الشامية والمؤذن بالحرم المكي، والعم عبدالله بخش، والأستاذ محمد نور، والأستاذ حامد رمضاني أبا وديع، والعم سرور باسلوم -رحمهم الله وأسكنهم فسيح الجنان-، والعم أحمد موسى أطال الله في عمره ومتعه بالصحة، وكثير من الأسماء الناصعة الذين انتقلوا إلى دار البقاء، ويسترعي انتباهي في المجلس رجل وقور، وضيء المحيا، كلماته منتقاه في غاية الأدب، وذات يوم كنتُ أجلس بجوار السيد عبدالله بخش -رحمه الله- وسألته عن هذا الرجل، فقال لي إنه عبدالعزيز محضر، وسمعتُ قصيدة كان مطلعها: (يالله ارحمنا وأنت مولانا.. يالله واقبلنا مالنا غيرك) إنشاداً متقناً من العم عبدالعزيز -رحمه الله- وكانت أول مرة في ذلك المجلس ترى عيناي هذا الرجل بلبسه الأنيق..

كانت القصيدة طويلة، وكلماتها بديعة، يتقنها عبدالعزيز محضر، ويتقن فن الصهبة أيضاً، ويحفظ الكثير من مقاماتها وبكل تفاصيلها.. حقيقةً، هو من الرجال الذين تأنس بالجلوس معهم، حيث يتمتع برحابة صدر، واتساع أفق، يجلس بهدوء وسكينة، ويكسو محياه الأدب والوقار، رحمه المولى رحمة الصالحين، وأتذكَّر المُربِّي المعروف الأستاذ محمد نور مقصود -رحمه الله-، حيث كُنَّا نذهب سوياً لمنزل العم أحمد كعكي.. أي مواقف أذكرها لك يا أبا عبدالله -رحمك الله- كنت صاحب الفضل بعد الله عز وجل.. ترتاح لك النفس وتألفك الأذن.. ولكن قَدَر الموت حاصل لا محالة، والمؤمن يرضى بقضاء الله في خلقه.. والموت زائر لا يلتزم بقانون المواعيد المُسبقة، أتذكر وأنت تُوَارَى الثرى منذ سنين مضت، وكنتُ بجوار «نقي النفس» الحبيب الدكتور «عاصم حمدان» -رحمكما الله- عِندَما دخلنا المعلاة..

فأمسك «أبا أحمد» بيدي، وكأنه يستعيد ذكرى عقد من الزمن، وذكر كثيرًا من تلك الأسماء الناصعة، وقال لي: رحمهم الله وأسكنهم فسيح الجنان.. وأشار بعينه وقال: نُودِّع المُربِّي الأستاذ «محمد نور مقصود»، مِن أكرم مَن عرفت خُلقاً وسلوكاً -رحمهم الله- وأمدّ بالصحة مَن بقي مِن الرجال.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store