Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الرياض.. مقراً لنخبة الشركات العالمية

A A
بدأت المملكة مؤخراً في تطبيق القرار الذي اتخذته خلال الفترة الماضية بإلزام الشركات العالمية التي لها تعاقدات ضخمة مع القطاعين العام والخاص بنقل مقراتها الإقليمية إلى داخل السعودية، في خطوة يتوقع أن تترتب عليها مكاسب كثيرة في عدة جوانب اقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بتوطين التقنية ونقل المعرفة، وإيجاد بنية صناعية متطورة، وتهيئة الأجواء الملائمة لرفع قدرات الكوادر الوطنية الشابة وزيادة مهاراتها، عبر إتاحة فرصة الاحتكاك المباشر مع القيادات الإدارية والفنية المتميزة التي تقود تلك الشركات العالمية، إضافةً إلى ما سيُحدثه انتقال تلك الشركات من حِرَاك اقتصادي ضخم، ونشاط تجاري غير مسبوق.

ولأن المملكة هي الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، وأن معظم تلك الشركات العالمية أتت إلى المنطقة في الأساس لتنفيذ عقود بمبالغ طائلة في السعودية، لذلك فإن الوضع الطبيعي هو أن توجد مقراتها في بلادنا.

لذلك كان من الغريب أن تكون مقرات تلك الشركات في دولٍ أخرى، بحيث تستفيد من تعاقداتها معنا، وتنعم دول أخرى بمزايا اقتصادية كبيرة نحن أحق بها.

ومع التسليم بحق تلك الشركات في تحقيق مكاسب اقتصادية من وراء تلك العقود ما دامت تقوم بالتزاماتها، إلا أن طبيعة العمل الاقتصادي الحديث تترتب عليها العديد من المكاسب الجانبية التي فرَّطنا كثيراً في الاستفادة منها. فتلك الشركات بدون شك تتطلب وجود أعداد كبيرة من الموظفين في مكاتبها الإقليمية، مما يمكن أن يُوفِّر فرص عمل متميزة للشباب السعودي، إضافةً إلى وجود فرص تدريبية حقيقية ترفع من قدرات تلك الكوادر.

وكما ذكرتُ في مقالٍ سابق، فإنه بدون شك ستكون هناك حاجة ماسة لإنشاء مدارس عالمية بمواصفات خاصة لاستيعاب أبناء قادة تلك الشركات، الذين من المؤكد أنهم سيبحثون عن مدارس عالمية بمواصفات خاصة، وتواترت الأنباء خلال العام الماضي عن افتتاح بعض هذه المدارس داخل المملكة، وخصوصاً في الرياض، لكنها بالتأكيد غير كافية لاستيعاب الأعداد الكبيرة المتوقعة من الطلاب. لذلك من الضرورة أن يبدأ القطاع الخاص في الاستثمار في هذه البيئة التعليمية الجديدة بما يؤدي إلى إحداث نهضة تعليمية حقيقية.

ولأن الشركات العالمية الكبرى تحرص على تشجيع بيئة البحث العلمي، وتعزيز مناخ الابتكار والإبداع، فإن ذلك سيقود إلى تعزيز تعاونها مع الجامعات ومراكز البحوث السعودية بما يؤدي لتطوير قدرات المواهب الوطنية، وهو ما ركَّزت على تحقيقه رؤية المملكة 2030 التي نادت بذلك في محاورها الثلاثة.

وخلال السنوات الماضية؛ ربما يكون لدى تلك الشركات بعض العذر لعدم انتقال مكاتبها إلى داخل المملكة لأسبابٍ منطقية، في مقدمتها صعوبة الحصول على تأشيرات الدخول للأراضي السعودية، وبعض التعقيدات اللوجستية الأخرى، لكن هذه العوائق تمت إزالتها تماما في الوقت الحالي، حيث بات الحصول على تأشيرة الدخول إلى المملكة يستغرق مجرد دقائق معدودة.

كذلك فإن تكامل البنية التحتية وتوفر عنصر الأمن والاستقرار واستكمال المنظومة التشريعية التي تحمي حقوق كافة الأطراف؛ يُشكِّل عناصر جذب للشركات العالمية، إضافة إلى تعزيز مناخ الشفافية ومحاربة الفساد. ونتيجة لهذه التغيرات، فإننا نشهد في الوقت الحالي إقبالا كبيرًا من المستثمرين على العمل داخل السعودية، التي أصبحت بمثابة قبلة لرؤوس الأموال التي تبحث عن بيئة آمنة تستطيع العمل فيها بحرية كاملة.

إضافةً إلى ذلك، فإن أجواء الانفتاح التي تشهدها المملكة في الوقت الحالي، والتركيز الكبير على صيانة حقوق الإنسان وضمان أمنه وحقوقه، تُفنِّد الأكاذيب التي تزعم بأن طبيعة الحياة في المملكة تتسم بالجفاف والرتابة، فالمملكة التي تتوجَّه بكلياتها نحو حجز موقع بارز لها على خارطة السياحة العالمية، تُولي أهمية كبرى لبرامج الترفيه وتعزيز جودة الحياة.

وأختم بالتأكيد على أن السلطات السعودية، وإن كانت قد تدرَّجت خلال الفترة السابقة في تنفيذ مطلبها العادل بانتقال المقرات الإقليمية للشركات المتعاقدة معها، لن تتوانى بعد اليوم في الحصول على حقوقها، وستُنفِّذ تحذيراتها بفسخ التعاقد مع أي شركة تمتنع عن العمل من داخل أراضيها، بعد أن منحت الفرصة الكاملة لتلك الشركات لترتيب شؤونها وتصحيح أوضاعها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store