Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

مباهج الأندلس

A A
سبق وأن تناولت كتاب «مآسي الأندلس» للسفير الدكتور محمد بن عبدالرحمن البشر حيث حلل ولخص فيه الأحداث التاريخية التي وقعت في بلاد الأندلس بأسلوب سردي مشوق يجذبك لقراءته وتأمل الوقائع واستنتاج المواعظ من تلك التجارب الإنسانية بدءاً من فتح الاندلس وانتهاءً بسقوطها المؤسف، حيث غطى المؤلف حقبة زمنية طويلة في 291 صفحة وهذا ليس بالأمر السهل، ولكنه ببراعته استطاع ايجاز ذلك.

اليوم اتحدث عن كتابه «مباهج الأندلس» الذي تناول فيه جانب آخر من حياة الأندلسيين تمثل في مباهجهم وأساليب ترفيههم ومتعهم وحياتهم الثقافية والاجتماعية.. حيث إنهم عاشوا في فترات اجتماعية مستقرة من حياتهم، استمتعوا فيها برغد العيش ومتع الدنيا -وخاصة الطبقة الحاكمة والميسورة منهم-، وكانت متعهم -حسب وصفه- بين أعواد وقيان، وغيد وغلمان، وكانت «الراح» في مجالسهم لها حضور، والكؤوس بينهم تدور، وكانوا يتجرعون من المتع ما يشاءون دون مراعاة أي ضوابط سلوكية أو أعراف اجتماعية أو قيم دينية تقيد إسرافهم في ملذاتهم، وأنقل عن المؤلف استغرابه من بعض متعهم كالولع بالغلمان رغم أن الله منحهم أصنافاً من النساء الجميلات من الأسبانيات والصقلبيات والفرنسيات والدنماركيات والبربريات والعربيات والأفريقيات.

لا يكاد شعر غزل من شعرائهم يخلو من التغزل بالغلمان، كما أن الجواري والإماء ينقسمن الى قسمين: الأول يعملن في القصور لأجل خدمة الأسياد والحاشية، ويقمن بالغسيل وتحضير الطعام وإعداد الموائد وتربية الأطفال، والقسم الثاني يطلق عليهن «جواري المتعة» وبهن يستمتع الأسياد ويطأون منهن ما لذ وطاب.. والسعيدة من حظيت بليلة معاشرة من سيدها لكثرة الجواري والسبايا في القصور آنذاك.. لأملها في الاستيلاء على قلبه والتقرب إليه.. كما أن كثرة الجواري والمحظيات تعكس ثراء الحاكم ونفوذه حيث ذكرت بعض المصادر أن المعتمد بن عباد كان لديه 800 من الحسان، من مختلفات الأصول والألسن، وحرص ممارسوا هذه التجارة المربحة على تعليمهن قول الشعر والعزف والغناء والرقص والتغنج والتدلل واجادة فنون الاغراء.

لقد فتحت الاندلس على يد طارق بن زياد بفضل الله ثم بفضل حاكم مدينة سبتة جوليان الذي رغب في الانتقام من الملك «لذريق» الذي تلاعب بابنته.. وتوالى على حكم الأندلس العديد من الحكام الذين كانوا يقتتلون فيما بينهم لأجل التمكن من السلطة والاستمتاع بالملذات.

الكتاب جاء في 605 صفحات ويحتوي على أربعة أبواب عناوينها: الحكم المباشر لبني أمية، الحكم غير المباشر ونهاية حكم بني أمية، دول الطوائف، المرابطون والموحدون وبنو نصر، وتحت كل باب فصلان، وكل فصل يتناول حقبة زمنية مرتبطة بحكامها وأحداثها وحسناتها وسيئاتها، مع التركيز على جانب المباهج والترفيه والمتع الشائعة في الحياة الاجتماعية.

ذكر المؤلف في الخاتمة أن «مباهج الأندلسيين» لم تفارق رحلة حياتهم وأنهم أسرفوا فيها -على حساب حسن التدبير- فعلى صوت الوتر على نفير البشر، وصرف الاستمتاع بالنساء والغلمان قُلوب القوم عن مقارعة الفرسان، وتصارعوا فيما بينهم، وتركوا المتربص يبطش بهم، وهم غارقون في المجون فحاق بهم نذير ابن خلدون.. وكانت نهاية مؤسفة لفردوس ثمين، ختمت مشهده «عائشة الحرة» والدة ابي عبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس بقولها:

أبك مثل النساء مُلكاً مُضاعاًلم تُحافظ عليه مثل الرجالوتمضي سنن الله المهيمن على خلقه، قال تعالى (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) آل عمران، آية 40.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store