Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

لماذا يحرقون المصاحف.. ويستفزون المسلمين؟!

A A
مشاعر غامرة بالحزن تجتاح المسلمين في معظم دول العالم - هذه الأيام - بعد إقدام عدد من المتطرفين في عدة دول أوروبية على حرق المصحف الشريف، فخلال الأسبوع الماضي قام السويدي «راسموس بالودان» زعيم حزب «الخط المتشدد» اليميني المتطرف؛ بإحراق نسخة من المصحف في مدينة ستوكهولم، ولم تمضِ سوى أيام قلائل حتى قام متطرف آخر هولندي يتبع لحركة «بيغيدا» المناوئة للمسلمين بتمزيق المصحف في مدينة لاهاي، وتواصلت مسيرة الشر خلال اليومين الماضيين، لتصل إلى الدانمارك، حيث قام متطرفون بإحراق ثلاث نسخ أخرى من القرآن في تصرُّف وجد إدانة واسعة من كافة الدول العربية والإسلامية.

الخارجية السعودية أدانت تلك التصرفات غير المسؤولة، ودعت الجهات المختصة في تلك الدول لوقف هذه الممارسات الاستفزازية بحق المسلمين، محذِّرة من مغبة التمادي في هذه السلوكيات العدوانية، لما تُمثِّله من خطرٍ على السلم والأمن الدوليين، وهو ذات الموقف الذي سارت عليه بقية الدول الإسلامية، إضافةً إلى منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، وسائر المنظمات الدولية.

والمتتبع لمحاولات الإساءة للإسلام، يجد أنها كثيراً ما ترتبط بأجندة انتخابية، حيث تحاول بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا كسب أصوات المتطرفين، والذين يُعارضون وجود المهاجرين واللاجئين في بلدانهم، وبالذات أتباع اليمين المتشدد للتصويت لصالحها، لذلك تقوم بهذه الأفعال. كما تسعى في ذات الوقت إلى استفزاز المسلمين واستدراجهم للقيام بأعمال عنف تتسبب في مزيد من التضييق بحقهم.

ولوضع حد لهذه التصرفات الخطيرة، فقد حاولت كثير من الدول المحبة للسلام؛ اتّباع السبل القانونية، ونادت بإصدار تشريعات أممية تدين الإساءة للأديان والمعتقدات الدينية، لوضع حد لحالات الإساءة التي ظهرت في كثير من الأحيان، وتسببت في إيجاد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وأزهقت بسببها أرواح بريئة.

وأكدت تلك الدول أهمية وضع حد لحالة العداء، واستشراء المشاعر السالبة، وظهور آفة الإرهاب، وحماية المقدسات الدينية، وتطويق مشاعر الكراهية التي تهدد التعايش بين الأمم والحضارات؛ بما يؤدي إلى الإخلال بالسلم الدولي، ويشكل مساساً خطيراً بالكرامة الإنسانية، مؤكدين على ضرورة إيجاد آلية للوقاية من التطرف والفتن الدينية والطائفية التي يسببها التحريض على الحقد الديني والعنف. لكن بعض الدول الأوروبية التي تدَّعي الحفاظ على حرية التعبير؛ أعاقت هذه الجهود بدعوى تعارضها مع قوانينها ودساتيرها.

هذا الموقف الغريب وجد إدانة واضحة من كثير من الدول والمنظمات العالمية، لأن الإساءة للأنبياء والرموز الدينية لا يمكن أن تدخل ضمن الحق في التعبير، فهل هذا الحق أكثر أهمية من الحفاظ على النفس البشرية وضمان الأمن العام والسلم المجتمعي؟، وهل هناك حرية مطلقة بلا قيود ولا وازع ولا حدود؟، وقبل كل ذلك ما هو الهدف من تلك الإساءات التي تظهر بين فينةٍ وأخرى، وماذا يريد مَن يقفون وراءها، وما هي أهدافهم؟.

واعترافاً منها بخطورة الإساءة للمقدسات الإسلامية، فقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً تاريخياً في عام 2018 أكَّدت بموجبه أن الطعن في شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام لا يدخل ضمن حدود الحريات الشخصية، وأنه لا بد من إيجاد توازن دقيق بين الحق في حرية التعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية، والحفاظ على السلام الديني، لكن هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن، وبقي مجرد حبر على ورق.

نهج الحكمة الذي اتبعته السعودية وبقية الدول الأخرى؛ التي تتحرك من منطلق مسؤوليتها في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وفي نفس الوقت تتمسَّك بقواعد القانون الدولي، ينبغي أن يكون أساساً لتقديم مشاريع قوانين أخرى ملزمة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، للتصدي لذلك التطاول، لأن العالم ليس بحاجة إلى المزيد من التوتر، وإعطاء المبررات للتنظيمات المتطرفة التي تنسب أعمالها الإرهابية للرغبة في الدفاع عن الإسلام.

أما المظاهرات التي نشاهدها في العديد من الدول، والرد بأسلوب عنيف، فإنه لن يؤدي إلا لزيادة التوتر وبقاء العنف، ووقوع ضحايا أبرياء لا ذنب لهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store