Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

كورنيش جدة.. وعنق الزجاجة!

A A
‏جدة، عروس البحر الأحمر الحالمة، القابعة على عرش السحر والجمال، كانت ولا تزال مقصد العاشقين، وقبلة الباحثين عن أجواء الشواطئ وتنفُّس هواء بحرها العليل، والذين مهما ضاقت بهم الظروف؛ يجدون في تلك الشواطئ متنفساً لهمومهم، ومساحات للغوص النفسي أو ربما الجسدي في أعماق بحره؛ لغسل الكثير من المكدّرات وغصَّات الألم.

لن أتحدث عن سيناريوهات سيول جدة، وما أحدثته من أضرارٍ لبعض السكان، سواء هذا العام ٢٠٢٣ أو ما قبله.. وما تحتاجه تلك المدينة من إعادة النظر في البنى التحتية، وعمل السدود وخزانات إستراتيجية لحفظ الماء، وأفكار هندسية أخرى تواجه الطبيعة بحلولٍ علمية حضارية أكثر استدامة، ولكن سأتحدث عن مركز الجمال فيها، وهو كورنيش جدة؛ الذي يقصده الآلاف يومياً للتنزه، سواء من أهالي جدة، بل ومن مكة والطائف.. وفي أوقات الإجازات المطولة من كل أنحاء المملكة، فهي المدينة الساحلية الكبرى والميناء، والمتنفِّس الأساسي على البحر الأحمر.

وفي الأجواء الجميلة؛ يهرع الناس للاستمتاع بالشاطئ، وخاصة في الشهرين الماضيين (ديسمبر ويناير)، وأجواء نادرة من حيث انخفاض درجات الحرارة، وهطول الأمطار، واخضرار الزرع، وأصبحنا نعيش أجواء أوروبية حفزت رغبة الناس في الاستمتاع بالبحر.. ولكن ما عكَّر صفو تلك الأجواء، بعض الاختناقات المرورية، خاصة وقت الذروة في طريق الملك، وشارع الكورنيش، وبدون مبالغة أخذت شخصياً مدة ساعتين وربع لعبور الطريق، رغم أن نقطة التحرك كانت من شارع سعود الفيصل، وهو لا يبعد كثيراً عن الكورنيش - بضعة كيلومترات فقط - ولكن عنق الزجاجة كان شارع الكورنيش من فندق الهيلتون مروراً بالشيراتون، ثم فندق شانغريلا، ثم العودة للدخول على الكورنيش المجاور للبحر، وهو المنطقة المسموح بها، فيتنفَّس المرء الصعداء للوصول إليها!!.

كما أن الكورنيش الشمالي مقفل لوجود أنشطة رياضية عالمية، والتي نتمنى أن تكون لها أماكن أخرى، لأنها لا تستهوي الجميع، وإنما فئة خاصة من الشباب. وأن تكون منطقة الكورنيش مخصَّصة للأنشطة البحرية، من سباحةٍ وغوص، وتزلُّج مائي ومطاعم عائمة.. وغيرها من الأنشطة الترفيهية الساحلية.

فإذا أضفنا إلى ذلك الإقفالات الكبرى للشاطئ، والتي تقوم بها أمانة جدة لتأجير المواقع على الشركات للاستثمار في المنطقة!! والمسارات فقط ثلاثة مسارات!! في حين نشاهد في المدن العالمية أن مثل هذه المنطقة تحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة مسارات لكل اتجاه، حتى تكون هناك سلاسة في الحركة. وكذلك وجود الممشى في وسط الشارع!!، لماذا لا يكون هناك جسور علوية (للممشى)، والاستفادة من المواقع الأرضية للسيارات مثلاً؟، كما أن البعض يضطر إلى أن يقطع الطريق سيراً على الأقدام، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، للوصول إلى الجهة المجاورة للشاطئ، وفي هذا خطورة كبرى على أرواح الناس. هذا بالإضافة إلى عدم وجود مواقف كافية للسيارات في المنطقة، مما يجعل سائقي العائلات يذرعون الطريق ذهاباً وإياباً للبحث عن موقف؛ مما يُفاقم المشكلة.

‏إن ازدياد الكثافة السكانية في جدة، كثاني أكبر مدينة في المملكة، وزيادة عدد السيَّاح، فضلاً عن قيادة المرأة للسيارة، جعل من الزحام أزمة خانقة في جدة وفي الكورنيش بصفةٍ خاصة. فإذا أضفنا إلى ذلك مشكلة السكان في تلك الأبراج السكنية، الذين دفعوا الملايين مقابل السكن في تلك الشقق الفاخرة، ولكنهم يُواجهون أزمة الدخول والخروج إلى شققهم، هذا فضلاً عن الفنادق الكبرى في المنطقة، والتي يرتادها سائحون من مختلف أنحاء العالم، فلو افترضنا أن «سائحا ما» اعترضته مشكلة صحية، وأراد الذهاب للمستشفى، كم سيأخذ من الوقت؟!، وحتى لو حضر الإسعاف في ظل ذلك الزحام والتكدُّس من السيارات، فلن يستطيع التحرُّك بالسرعة المطلوبة لإنقاذ حياة إنسان.

‏إن برنامج جودة الحياة الذي أطلقته المملكة، من خلال رؤية المملكة ٢٠٣٠؛ يجعل من حق المواطن والمقيم والزائر التمتُّع بالأجواء الصحية والنفسية والبيئية الملائمة، التي تُحقِّق له الراحة والسعادة، ولدينا البعض يعيش على الضمان، وآخرون على حسابهم الخاص، ولا يستطيعون دفع تكاليف الأماكن السياحية الباهظة.. ولكن منطقة الكورنيش تمنح المرتادين جلسة بسيطة مع الأهل والأصدقاء، وفنجان شاهي وفشار تُحقِّق لهم الكثير من السعادة والتوازن النفسي، وهي من جودة الحياة.. فهل نُوفِّرها للمواطن والمقيم والزائر؟.. أتمنى ذلك.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store