Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

لا علاقة للإسلام.. بمنع «طالبان» تعليم وعمل النساء في أفغانستان! (2)

A A
تناولتُ الأسبوع الماضي الحلقة الأولى من قضية «منع طالبان تعليم وعمل النساء في أفغانستان باسم الشريعة الإسلامية»، وأوضحتُ أن الإسلام بريء من مثل هذه التصرفات، وها أنا اليوم أُكمل الحديث في هذه القضية، وأُنهيه، وأقول على بركة الله:

ثالثًا: لم يمنع الإسلام المرأة من العمل، قال تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْن)، وكانت أسماء بنت نُهيك الأسدية رضي الله عنها تراقب الأسواق في مكة المكرمة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عيّن سيدنا عمر بن الخطاب السيدة الشفاء من بني عدي تراقب الأسواق في المدينة المنورة، وكانت تضرب المخالفين بالعصا، واتخذها مستشارة له، فكانت المرأة في عصر النبوة تشارك في المناقشات والمجادلات في مختلف القضايا، كما كانت تشارك في اللقاءات والحفلات والولائم، وفي المهن والصناعات والمهارات كالزراعة، والرعي وصناعة النسيج، والصناعات اليدوية والتجارة، وتنظيف المسجد.

رابعًا: الإسلام دين العلم، فقد حث على طلبه، ونهى عن الخوض فيما لا علم به (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، لذا جعل الإسلام طلب العلم فريضة، وقد خصّص رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا للنساء يُعلّمهن فيه، وكانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قد تلّقت تعليمها في مدرسة النبوة، وكانت الراوية للحديث الفقيهة العالمة والمفتية، وربع الأحكام الفقهية أُخذت منها، ولها استدراكات على كبار الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت تفتي في زمني أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما نجد أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث التي كانت تفتي أيضًا والشفاء من بني عدي كانت تعلم النساء الكتابة، وعُرف عن بعض الفقيهات والمحدثات المسلمات أنهن أكثرن من الرحلة في طلب العلم إلى عدد من المراكز العلمية في مصر والشام والحجاز حتى صرن راسخات القدم في العلم والرواية، وكان لبعضهن مؤلفات وإسهامات في الإبداع الأدبي، منهنّ: أم الدرداء الصغرى الذي اعتبرها بعض معاصريها خبيرة في علوم الحديث، وفاقت شهرتها شهرة علماء كبار أمثال الحسن البصري أو ابن سيرين! ومن بين طلبتها يوجد الشهير والمعروف أبوبكر بن حزم، قاضي المدينة. وعرفت أيضًا بمعارفها العميقة في الشريعة وآرائها الاجتهادية في الفتوى، وتجدر الإشارة إلى أنّ أم الدرداء كانت تُدرِّس الحديث والفقه في المساجد الرجال والنساء أيضًا.

وكان الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان يحضر مجالسها العلمية العامة. - السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنه، فكان منزلها مألف الأدباء والشعراء، فهي بذلك من أول من أنشأوا «الصالون الأدبي» بمفهومنا المعاصر، وهي أوّل ناقدة أدبية.

- السيدة نفيسة بنت الحسن حفيدة رسول الله عليه الصلاة والسلام، درّست الحديث النبوي والفقه حتى لُقبت بـ»نفيسة العلم»، وعندما رحلت إلى مصر وعُرفت بعلاقتها الأخوية والعلمية بالإمام الشافعي يتناقشان معًا في قضايا مختلفة تتعلق بالفقه وأصوله، ويذكر أنّ الإمامَ أحمد بن حنبل كان يحضر مجالسها.

خامسًا: النساء في عهد النبوة كنّ يخرجن من بيوتهن ويلتقين برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلين في المسجد ويمارسن أعمالهن على اختلافها ويتسوقّن بلا محارم، ولم يرد نص من القرآن أو السنة القولية الصحيحة والفعلية حديث يمنع خروج المرأة من بيتها بلا محرم، كخولة بنت ثعلبة عندما جادلت رسول الله كما جاء في قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا)، لم تأت إلى الرسول ومعها محرم، ولم يرفض الرسول لقاءها، أو يشترط عليها وجود محرم معها، فكيف تشترط حكومة طالبان على المرأة في أفغانستان ألّا تخرج من بيتها إلّا بمحرم، وتُنسبه إلى الشريعة الإسلامية؟.

وهكذا تجد أنّ ما اتخذته طالبان من قرارات حرمت المرأة في أفغانستان من العلم والعمل والخروج من بيتها بلا محرم؛ يُخالف الشريعة الإسلامية، وليس تطبيقًا لها كما تزعم، فشرع الله برئ ممّا نسبته طالبان إليه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store