Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إداراتنا الحكومية.. وزنقة زنقة

لماذا تبدو مظاهر النظام والانضباط غائبة في مجتمعنا إلى حد كبير، رغم وجود الأنظمة وتوفر الإمكانات؟!

A A

لماذا تبدو مظاهر النظام والانضباط غائبة في مجتمعنا إلى حد كبير، رغم وجود الأنظمة وتوفر الإمكانات؟! الإجابة ببساطة: لأن النظام قيم تتجسد في الثقافة الحياتية أولًا، ويقوم على التخطيط والتطبيق والمتابعة ثانيًا.. وللأسف يغيب هذا وذاك، والدليل السلوك المروري غير الحضاري والبهلواني في الشارع -لبعضٍ منّا-.نترك هذا المشهد اليومي الذي لا تنفع فيه عيون (ساهر)، ولا يرصده أهل المرور طالما تغيب أخلاق القيادة، ويغيب الرصد الميداني السريع والمتطور الذي اختزلناه في (ساهر)، ونأتي إلى حالة أغرب من ذلك، وتتعلق ببعض الإدارات الحكومية التي حشرت نفسها منذ سنوات وعقود في (زنقة)، داخل شوارع فرعية، يعاني منها الجميع، سواء الموظفين فيها أو المراجعين، وبطبيعة الحال السكان المساكين في هذه المواقع، الذين يعيشون كابوسًا مروريًا يوميًا، يضيع حقهم في شوارعهم ذهابًا وإيابًا، وأصبحت رحلة عذاب طوال ساعات الدوام.دعونا نتوقف قليلًا عند هذه الحالة المستشرية في كثير من مدننا، وجدة تحديدًا: خذوا مثلًا: الجوازات ومكتب العمل ولا ننسى أيضا الأحوال المدنية وهلم جرّا.. فالجوازات تقع في قلب جدة المكتظة بالسكان، ونفس الحال مكتب العمل، وكأن الأرض ضاقت بما رحبت، أو الإمكانات شحيحة على وفرتها عندنا ولله الحمد، حتى لا تنتقل هذه الإدارات لمجمعات حضارية في مواقع متسعة كأرض المطار القديم، وتزود بالمواقف، وطرق منظمة بدلًا من الضيق والعشوائية.ما السر لدى أجهزة بهذا الحجم من العمل والمراجعين لتصر على الاستمرار في نفس مواقعها القديمة دون مبرر منطقي ولا سبب مقنع؟! فكيف نعالج ذلك وهناك إصرار على البقاء، رغم الفوضى العارمة لزحام السيارات الشديد وضيق المواقف، والتي لا ينفع معها أفراد المرور ولا غيرهم، والأدهى من ذلك زحام مكاتب الخدمات والأنشطة الخاصة المرتبطة بحاجات المراجعين لهذه الجهات التي تستقطع من الشارع ثم السيارات على الجانبين.. فماذا يتبقى من الشارع للسير المروري؟! وكيف يكون الحال مع سيارات الطوارئ إذا ما حدث حريق لا سمح الله ؟!إن مشكلتنا مع الفوضى ليست في سلوك المجتمع فقط، بل هي محصلة لعدم توفر مقومات النظام وأسبابه. فإذا طالبنا الناس باحترام النظام والتقيد بالأنظمة وكلها معروفة، فلابد أولًا من توفر البدائل والأسباب، ثم نتابع ونحاسب ونعاقب من يشذ عن النظام، لكن أن تستمر أجهزة حكومية وأهلية ومستشفيات ومدارس وبنوك ومؤسسات كبرى وأسواق بهذا الشكل، من غياب التخطيط وانعدام المواقف -لأن فهمنا للخدمات والمباني الإدارية أنها منشآت، تضم أدوارًا وطرقات وغرفًا للموظفين، وكم مقعد للمراجعين، ونترك الدنيا خارجها فوضى- فهذا يحتاج إلى وقفة.تحضرني صورة جميلة موجودة في كثير من المجتمعات التي اختارت ثقافة النظام وتمارسه بكل معانيه، هناك تجد لكل منزل وكل مؤسسة وجهة عامة أو خاصة مواقف محددة، حتى البقالات ومحلات التسويق لها مساحة مخصصة، والأعجب هو احترامهم لحقوق الإنسان في ذلك، وخاصة العجزة وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، فتخصص لهم مواقف، ولا يستطيع غيرهم استخدامها، ومن تسوّل له نفسه أن يفعل -ولو لدقائق- لشراء شيء، سرعان ما يجد سيارة المرور في انتظاره، ولا يعرف من أين جاءت وكيف بهذه السرعة؟!.حالة ثالثة أصبحت مظهرًا معتادًا كأمر واقع، وتتعلق بالمجتمع نفسه، أي بالناس، وأقصد المساجد وتحديدًا في صلاة الجمعة، فمن يخرج بسيارته -وعادة ما يكون متأخرًا- ويقف في أقرب نقطة من المسجد طولًا أو عرضًا، لتبدأ المعاناة بعد الصلاة، ويحضرني هنا موقف رواه لي شاب عائد من دراسة بأمريكا، عن وجود مسجد للمسلمين في المنطقة التي يقطنها، وحدث عندهم ما يحدث عندنا من إغلاق سيارات المصلين للشوارع، فما كان من الدفاع المدني إلا أن نبّه إدارة المسجد، ولمَّا تكرر الأمر أخذ عليهم تعهدًا، وإلا سيتم منع دخول المنطقة.. فما كان منهم إلا أن انتظموا.وماذا عن أكوام الأحذية أمام أبواب المساجد عندنا، وكما روي لي ابننا الشاب أن أحد الأمريكيين سأله بعد الصلاة كيف تستقيمون في صفوف داخل المسجد، وفي خارجه كل هذه الفوضى من السيارات والأحذية؟! بالطبع لا تعليق!!.. وهنا أسأل: لماذا لا نبدأ في تطبيق النظام بشكل صحيح من البداية، ونأخذ بأسباب النظام حتى نفرض سلوكها ونعزز ثقافتها؟ وأين أهل التخطيط للمباني الخدمية؟ وأين خطباء المساجد من التوعية وثقافة الفوضى.. دمتم بخير.ikutbi@kau.edu.sa

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store