Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

المقاهي وثقافاتها وفنونها

A A
استوقفني كتاب «ثقافة الترفيه والمدينة العربية في الأزمنة الحديثة: دمشق العثمانية» للدكتور مهند مبيضين، حيث تطرق إلى العديد من أشكال الترفيه التي عرفتها دمشق في العهد العثماني، ومن بين ذلك: الموسيقى، الرقص، الأفراح، الأعراس، تزيين المدينة، ارتياد الحدائق، بنات الهوى، حب الغلمان، الألعاب الشعبية، سهر الأعيان، القهاوي وثقافاتها، الحمامات الدمشقية، حارات دمشق وحكاياتها وفضاءات الترفيه.. ولا يتسع المجال في هذا المقال لاستعراض كل تلك الوسائل ودورها في الترفيه، ولكني سأركز على النظرة للمقاهي آنذاك.

القهوة عرفت -قبل العصر العثماني- في اليمن (مدينة زيلع)، وفي الحبشة وفي الصومال ثم انتقلت إلى الحجاز وبلاد الشام والأناضول، ودخلت القهوة مدينة دمشق في القرن العاشر الهجري -السادس عشر الميلادي-، وثار جدل حول مشروعيتها، حيث كان هناك فريق محرم لها وفريق آخر يجيزها طالما أنها تثير النشاط وتعين على التفوق في الأعمال الفكرية.

عندما وصلت القهوة دمشق كانت تقدم في منازل الدمشقيين وكذلك في مجالس المتصوفة لكونها تعينهم على السهر وقراءة الأوراد الطويلة، ثم انتقلت إلى الأسواق وتخصص البعض في بيعها وصنعها، ثم أصبحت من عناصر الضيافة التي يقدمها الأعيان في مجالسهم.. ثم بدأت المقاهي بالانتشار في المتنزهات والحدائق وبجوار الجامع الأموي ومنطقة المرجة.

وذكرت دراسة لتيسير الزواهرة: أن عدد المقاهي زاد في دمشق وكان ملاكها من كبار الأعيان، وتفاوتت أسعارها وأماكن تقديمها.. ويذكر الباحث أنه منذ بداية الربع الأول من القرن العشرين زالت النظرة السلبية لجلاس المقاهي وبدأت المرأة تظهر فيها -بخاصة السائحات- إلى جانب المثقفين والأدباء وأهل الفن والسياسيين.. ولم تتوفر للباحث مصادر توضح أوصاف بناء المقاهي آنذاك، إلا أن الطابع العام لها يشمل وجود ساحة ومكان لإعداد المشروبات الساخنة ويكون مطلاً على ساحة أو فناء خارجي إلى جانب ركن خاص لتحضير الشيش (الأركيلة).

وذكر الباحث «ديغويلهم» أن مباني المقاهي كانت تستخدم لتقديم المشروبات في ساعات طويلة من النهار والليل، أما الغرف الملحقة ببعض المقاهي فكانت تؤجر للوافدين والزوار العابرين وكأنها فندق، لقد انتشرت المقاهي في دمشق العثمانية آنذاك وأصبحت مكاناً يرتاده مختتلف فئات المجتمع للجلوس والترفيه والتسلية.. أما النظرة للمقاهي -بالنسبة للعلماء- فقد أخذت مسارين: الأول يرى أن جلوس العلماء فيها يزيل الهيبة بسبب الاختلاط بالعامة، والثاني يرى أن جلوسهم فيها يعكس التقرب من العامة ويدل على تواضعهم، كما أن التسلية داخل المقاهي ارتبطت بعادات وتقاليد المجتمع نفسه، حيث يتم لعب الورق و»الضومنة» وبعض الألعاب الشعبية، كما أن «الحكواتية» كانوا يجلسون في بعض القهاوي لسرد الحكايات التي تمتع الحاضرين، كما توفر في بعض المقاهي ضاربي الآلات الموسيقية والمغنين والراقصة.

المتأمل لما ذكره الباحث يدرك أن المقاهي مرتبطة بثقافة الترفيه والتسلية وعادات وتقاليد وقيم كل مجتمع، ويتفاوت الناس في الحكم على مشروعيتها وقبولها أو رفضها.

آمل أن أرى دراسات أكاديمية حديثة تتناول هذا الموضوع بشمولية من جوانب ثقافية وتراثية وفنية واجتماعية في كليات الآداب والاجتماع والسياحة في مجتمعاتنا الخليجية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store