Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

المتقاعد.. بئر غائر وهرمون طائر!!

A A
اشتكى لي أحد المتقاعدين الجدد الذي كان على مرتبة عالية في وظيفته، وكان أيام الوظيفة مشغولاً لا وقت عنده إلا للعمل، فجأة تقاعد وأصبح عنده متسع كبير من الوقت، رتب وضعه لحياة جديدة وندم أنه كان لا يهيئ نفسه مبكرًا لذلك، فبعد تقاعده بدأ بالرياضة حيث سجل في نادي لياقة، يذهب للنادي يتسبح بالمسبح ويستنشق بخار السونا ويستمتع بالمشي على السير، ثم يعود إلى البيت كأنه أكبر رياضي ليُري زوجته وأولاده أنه لا يزال شابًا، وهو ممن يحب الاطلاع والقراءة ومتابعة الفديوهات السريعة والمسلسلات المدبلجة، لم يشتكِ لي من الفراغ بقدر ما يشتكي مما يصله من إسقاطات على صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي (......) كلها عري وأمور إباحية يتقزز المرء من مشاهدتها ومتابعتها وترفضها الأنفس التي على الفطرة، والتي نزلت بالإنسان إلى الحيوانية مما جعله يهجر ويقفل أو يقلل متابعتها فالأمر كما يقول مهيج للهرمونات ومضيع للأوقات ومكثر للسيئات وأنا في عمر ما بين الستين والسبعين من عمري فما العمل يادكتور؟

طبعًا أنا عملت نفسي صاحب عيادة استشارات فقلت له: الحل عندي، قال ماهو؟ قلت: تزوج قال: لا.. أرغب في حل عملي، قلت إذًا عليك بالصوم فإنه لك وجاء، قال: أتعتقد أنني شباب أتصبب هرمونات، أنا على باب كريم، حتى أم فلان هاجرها، قلت إذًا اعتزل تلك المؤثرات الضالة التي تتأذى منها من وسائل التواصل الاجتماعي واقتصر على المفيد منها ولا يؤذيك، قال هذا ما سأفعله.

هذا نموذج لمتقاعد ممن يصنف بأنه بئر غائر وهرمون طائر، وهو أفضل نموذج يعترف بإمكاناته الهرمونية وقدراته الجسدية بعكس الآخر الذي تجده في الأسواق ومن مول إلى مول، لابسًا شورتًا وجزمة رياضية عارضًا مفاتنه التي كلها مخلفات زمن طويل، يترنح في مشيته، متماسكًا قدر الإمكان، محاولاً أن يظهر شيئًا مما تبقى من قوته ليصبح شقردادي تصطاده شباك من يبحثن عن المال.

إن من الواجب أن يقدر المتقاعد وضعه الصحي بعد تقاعده فإن كان من أهل الصحة والعافية ولا يزال صاحب عطاء هرموني طافح وليس غائر ولا شبيه طائر فإن له أن يتزوج ويصيب حلالاً، وهذا نادرًا من يفعله لأن تكاليفه النفسية والجسدية كبيرة لعل من أهمها ضياع أسرته الأولى وهدم البيت اجتماعيًا، وحيث إن معظم المتقاعدين يحرصون على المحافظة على ما تبقى من العافية فالأفضل لهم البقاء مع زوجاتهم ليحسب لهم أنهم ممن حفظ الود وأقام على العهد وتتزين حياته بالعقود المتناثرة ممن حوله من الأولاد والأحفاد وذلك خير لهم لو كانوا يعلمون من انفعالات هرمونية مؤقتة يجني بعدها المتقاعد علقم الحياة ومرارة ضياع أسرته الأولى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store