Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

نجران تكشف بعض أسرارها للعالم

A A
حفلت الصحف ومواقع الإنترنت ووكالات الأنباء خلال الأيام الماضية بأخبار الكشف الأثري المثير الذي أعلنته هيئة التراث السعودية في موقع الأخدود الأثري بمنطقة نجران؛ ضمن نتائج أعمال التنقيب العلمية التي يجريها خبراء الآثار بالموقع. ومما زاد حماسة الجهات العلمية المختصة؛ ودفعها للعناية بهذه الاكتشافات، أنها كانت مدعومة بصور عالية الجودة للقطع الأثرية التي تم الكشف عنها، وهي عبارة عن نقوش مسندية، وثلاثة خواتم من الذهب، ورأس ثور من البرونز، وعدد كبير من الجرار والأواني الفخارية.

وتضمنت الاكتشافات نقشاً يعود لأحد سكان الموقع، ويدعى «وهب إيل بن مأقن»، وقد وصفه خبراء الآثار بأنه الأكبر حجماً ضمن النقوش المسندية الجنوبية التي عُثر عليها على الإطلاق، حيث يبلغ طوله 230 سم وارتفاعه 48 سم تقريباً، وقد تم تنفيذه بعناية فائقة بعد أن تم صقل واجهة الحجر جيداً، لذلك ظهر في حالة متميزة، كما لو تمت كتابته بالأمس، وليس منذ آلاف السنين. إضافة إلى ذلك، فقد كانت الخواتم الذهبية بمثابة لوحات فنية متكاملة، وامتازت بالدقة في الصناعة والإبداع، حيث جسَّدت شكل فراشة ناشرة جناحيها.

هذه الاكتشافات العلمية الحديثة تكتسب أهمية خاصة، لأنها تعيد تسليط الضوء بشدة على موقع الأخدود التاريخي، وتجدد المطالبات التي طالما نادينا بها بضرورة تكثيف الحملات والقوافل العلمية للتنقيب في هذا الموقع الذي لا يوجد له مثيل على مستوى العالم أجمع، والذي يُجسِّد قصة مؤثرة سردها القرآن الكريم قبل 14 قرناً، تحكي قصة الصراع بين الحق والباطل.

هذا الموقع الفريد؛ لو أحسنَّا الاستفادة منه بالصورة المثلى، فإنه يمكن أن يُحقِّق العديد من المكاسب، مثل تطوير العلوم والمعارف، وتحويل المملكة إلى مقصد رئيسي للبعثات العلمية والأكاديمية التي حتماً سوف تزوره لإجراء دراساتها وأبحاثها، مما يُوفِّر فرصة لجامعاتنا الوطنية لتوقيع اتفاقات تعاون علمي تعود عليها بفوائد كثيرة.

وعلى الصعيد الداخلي، فإن الاهتمام بالمواقع التاريخية والأثرية يسهم في تعريف الأجيال الجديدة بثقافة الآباء والأجداد، ويدفعهم للإحساس بالفخر بانتمائهم لهذه البلاد بما يعزّز الوحدة الوطنية، ويرسّخ القيم العربية والإسلامية، وينعش السياحة الداخلية، ويزيد من الولاء لهذه البلاد التي كان لها إسهام كبير في حركة الحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن الاهتمام بهذه الآثار وتطوير مواقعها يمكن أن يحقق مكاسب لا حصر لها، بحيث تتحول السياحة إلى مصدر من مصادر الدخل الرئيسية يمكن أن يوفر عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية للشباب، لذلك يمكن أن يشكل تغييرا مباشرا نحو الأفضل في مستوى معيشة المواطنين.

وقد أقرت رؤية المملكة 2030 ضرورة الاعتماد على كافة المصادر التي يمكن أن تشكل روافدا اقتصادية متجددة، تسهم في الوصول إلى التنمية المستدامة، وتحقيق الإضافة المرجوة للاقتصاد الوطني، عبر ثلاثة محاور رئيسية هي المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح.

ومما يلفت النظر أن قطاع السياحة والآثار ظل حاضرا بقوة في المحاور الثلاثة، لما يمثله من أهمية بالغة.

ويبدو الاهتمام السعودي بهذا القطاع واضحا من خلال المشاريع الاستثنائية التي أقرتها الدولة، وبدأت في تنفيذها، وهي مشاريع قادرة على تحويل المملكة إلى أحد مراكز الجذب السياحي في المنطقة، إضافة إلى إنعاش السياحة الداخلية للاستفادة من المبالغ الهائلة التي ينفقها السعوديون سنويا في الخارج، وهي مبالغ يمكن أن تشكل طفرة اقتصادية كبيرة لو تمت إعادة ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني.

لكل ذلك، فإن الاكتشافات الجديدة التي تم الإعلان عنها في موقع الأخدود تفتح الباب أمام زيادة الاهتمام بالتنقيب في هذا الموقع الفريد، وهو ما ظلت تعمل لأجله العديد من الجهات المسؤولة بقيادة صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، أمير منطقة نجران، الذي يوظف كافة علاقاته الشخصية لأجل تحقيق هذه الغاية، وظل يبذل جهودا كبيرة خلال الفترة الماضية لتحقيق نهضة سياحية في نجران تنعكس خيرا وفيراً على إنسان المنطقة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store