Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

التفحّم الوظيفي!

A A
أتناول اليوم مُصطلح «التفحّم» الوظيفي، ارتأيتُ أنّه يصفُ حالةً متقدّمة نهائيّة من الاحتراقِ النفسي؛ الذي يقضي بشكلٍ تام على كينونةِ الموظّف، وينهي معه أيّ فرصة لإنقاذه من انعدامِ رغبته في العمل أو اهتمامهِ بالإنتاجية، فضلاً عن شغفه بتطويرِ إمكاناته الوظيفية واكتسابِ التقدير والتميّز.

وبعد مرور الموظّف بإعياءٍ بدني واستنزافٍ ذهني، وأوقاتٍ يطغى عليه فيها الإحباطُ وضعفُ التركيز؛ وتعكّر المزاج ونوباتُ الغضب، وحتى الإصابةُ بالأرق والاكتئاب، يبدو أنّ «التفحّم» الوظيفي ينتهي بالموظّف إلى درجة مُفرطة من اللامُبالاة والتبلّد، وعدمِ الاستجابة للاستفزازاتِ النّفسية، إضافة إلى تصريحه بانعدامِ اهتمامه التام بأيّ تنافسٍ مع زُملائه أو محاولة إثباتِ ذاته، بل يصلُ به الأمر إلى السُّخرية من نفسه؛ ومن بعض الإجراءات التطويريةِ التنظيمية العقيمة، التي تُحاول بها الإداراتُ الفاشلةُ حفظَ ماء وجهِها أمام المسؤولين.

يظهرُ لي، والله أعلم، أنّ لدى بعض الإداراتِ الفاسدة خطة خفيّة خبيثة لإشغال الموظفين، وبخاصة المُتميّزين منهم، وتشتيت انتباههم للحدّ من نجاحاتِهم وإبداعاتِهم، وذلك بكثرةِ التوجيهاتِ، والتعليماتِ، والأخبارِ، والرسائل، والمُضايقاتِ الشّخصية التي تصل حدّ «الترصُّد»!!. فالاحتراقُ النفسي لا ينتجُ عن كثرةِ العمل أو تراكُم المسؤوليات بالضرورة، بل عن التعامل مع إجراءاتِ تنظيمية غير فعّالة، والاختلاطِ ببعضِ الموظّفين المُزعجين أو «المُتملِّقين»، فضلاً عن سوء التقديرِ الذي يتعرّض له الموظّف في بيئةِ العمل من بعض الزُّملاء والمراجعين والزّبائن، حيثُ من المُلاحَظ علمياً، أنّ التعاملَ «بِقلّة الأدب» مع الموظّف وعدم احترام إنسانيّته ومَكانته، يتسبّبان في تراجعِ أدائه واضطرابِ نومه، وانحسارِ حماسه في المُشاركة الإيجابية في العمل، جديرٌ بالذِّكر، أنّ حوالى (25%) من إساءةِ التّعامل وسوء الأدب، تصدر من «المُدير» نفسه، وتتسبّب في استقالةِ حوالى (12%) من الموظفين.

تكمن خدعة في محاولة بعضهم إقناعك أنّ العمل هو الحياة، ثم زجك في صراع بينهما، في حين أنّ العمل جزء محدد من الحياة، ولا يجب أن يحدث أي صدام بينهما، وهو خلافُ واقعٍ مؤلمٍ يتعرّض له كثيرٌ من الموظّفين؛ نتيجةَ التورّط في ساعات عملٍ يوميّة طويلة مُرهقة، وظروفِ عملٍ غير صحّية، تستهلكُهم حتى النُّخاع، وتتسبّب لهم بنهايةِ المطاف في صدْماتٍ نفسية.. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store