Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

مفهوم القوة في العلاقات الدولية

A A
لا يوجد تعريف موحد -أو أمثل- للقوة في العلاقات الدولية، ومن ضمن تعاريف القوة.. أنها «المجموع الكلي لقدرات الدولة التي يمكن استخدامها لتطوير مصالحها وتحقيق أهدافها الوطنية»، كما تعرف أيضاً بكونها «مجموعة أدوات الضغط والإكراه والتدمير والبناء التي تستخدمها الإرادة السياسية.. من أجل السيطرة على قوى أخرى وإرغامها على القبول بنظام معين.. أو من أجل صد مقاومة أو تهديد قوى عدوة.. أو الوصول إلى تسوية أو تحقيق توازن بين القوى الموجودة على ساحة الصراع.. ويشمل مفهوم القوة الهيمنة والإجبار والقهر والتأثير والإقناع».

كما تتعدد أنواع القوة فهناك قوى اقتصادية واجتماعية وسياسية وتكنولوجية وعسكرية ومعلوماتية.. وقوة الدولة «نسبية» ويعتمد تقديرها على أمرين هما: أولاً القدرة على تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة إلى قوة فعالة، وثانياً محصلة الطرف الآخر في تفعيل مصادر القوة نفسها «للتوظيف الفعلي» الذي يجعلها أقوى نسبياً من منافستها.

تتدرج الدول في استخدام القوة أثناء الصراعات بين التأثير بالوسائل الدبلوماسية وبين أساليب الإكراه والإجبار، وعندما تعجز الحلول السلمية يتم استخدام الأساليب العسكرية والهيمنة لأجل إجبار الطرف الآخر للإذعان لإرادة الطرف الأقوى.

القوة وسيلة لممارسة النفوذ والتأثير لتحقيق أهداف الدولة ومصالحها الوطنية والحضارية وحماية أمنها القومي وصيانة استقلالها السياسي، وهي وسيلة للهجوم، وللدفاع، وللردع.

عندما نتأمل بعض الأحداث في تاريخ الأمة العربية والإسلامية نجد أن «القوة» قد مورست لتحقيق أهداف الدولة وردع الطرف الآخر «المعتدي أو المتحدي».

تروي كتب التاريخ العديد من قصص تحقيق العدالة ومناصرة المظلوم، من هذه القصص أن ملك الروم قام في إحدى المعارك بأسر 1000 امرأة مسلمة، وصرخت إحداهن مستغيثة «وامعتصماه»، وبلغ ذلك الخليفة المعتصم الذي استعظم الأمر، وأمر جيشه بالاستعداد وخرج ومعه حوالى 200000 مقاتل، وحاصروا مدينة عمورية، وأحضر المعتصم الرجل الذي أبلغه باستغاثة المرأة المسلمة ليدله عليها، ولما قابلها قال: هل لبى المعتصم نداءك؟! وكانت هذه النخوة سبباً في «فتح عمورية» والدفاع عن كرامة أمة، وقتل وأسر في هذه الأحداث الآلاف من الروم.. وقيل إن بعض المنجمين حذروه من الخروج لأن ذلك طالع نحس، ولكنه لم يأبه برأيهم وكما قال أبو تمام:

السيف أصدق انباء من الكتبفي حده الحد بين الجد واللعبوقصة أخرى تقول أن ملك الروم أرسل خطاباً إلى هارون الرشيد ملك العرب يهدده بالسيف إن لم يعد الجزية التي أعطيت له في إحد المناطق الخاضعة لسيطرته، وعندما قرأ الخطاب استشاط غضباً، وطلب قلماً وكتب على ظهر كتاب ملك الروم: بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك... والجواب ما تراه لا ما تسمعه! ثم قاد بنفسه جيوشاً جرارة وهزم نقفور وجعله يدفع الجزية صاغراً وأخضعه لقوة المسلمين.. الخطاب السياسي يعكس قوة الدولة، أو ضعفها.

وفي القصتين السابقتين استخدم القائدان لغة القوة ووسائل الهجوم والدفاع والردع لمواجهة خصومهما.. وعلى مر التاريخ والعصور واجهت الأمة العربية والإسلامية قوى الظلم والاستكبار من خلال قادة أبطال أوقفوا المعتدي عند حده.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store