Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

إدارة الذات.. مفتاح الإصلاح الاقتصادي

شذرات

A A
رجال الإصلاح يعتقدون بأن مربط الفرس هو الإصلاح الاقتصادي، والذي يفترض دوماً أن لا يُكتب له النجاح إلّا في أجواء سياسية مناسبة، وكثير من العقلاء يُؤكِّدون على أن ما يُواجه المجتمعات الإسلامية هو أزمة أخلاقية ناجمة عن جهلها في معرفة ديننا الإسلامي السمح، وردود فعل عنيفة للمغالاة في الدين والتي أحدثت بعض الشروخ.

وفي زيارة لمسجد الإمام البوصيري في الإسكندرية، نُقشت على قبة المسجد والأطراف المحيطة قصيدة بردة المديح المباركة، وهي للإمام شرف الدين محمد البوصيري، ومن الأبيات اللافتة في القصيدة التحذير من هوى النفس، يقول:

(فإنّ أمَّارتي بالسوء ما اتَّعظت

من جهلها بنذيرِ الشيبِ والهرمِمن لي بردِّ جماح من غوايتها

كما يُرَدُّ جماحُ الخيل بالُّلجُمِ

فلا ترُمْ بالمعاصي كسرَ شهوتها

إن الطعامَ يُقوِّي شهوةَ النهمِ

والنفسُ كالطفلِ إن تُهمِلْه شبّ على حُبّ الرضاعِ وإن تَفطمْه يَنفطمِ) وكلما تأملنا في الأبيات؛ ندرك ثقل المسؤولية الملقاة على عواتقنا نحن كبشر، بصرف النظر عن انتماءاتنا الدينية. الأزمة تتجسد في إخفاقنا أو إخفاق بعضنا في إدارة الذات، وهي المفتاح الحقيقي في عالم الإدارة، فتهذيبُ النفس وترويضُها يجب أن يسبق أي خطوة تُتخذ نحو الآخر في المحيط القريب جداً، وهو الأسرة أو الدائرة الأوسع، إذ لابد أن نفتش دوماً عن الذات لتقويمها، وهي أصعب المهمات في الواقع، لا سيما إذا جاءت متأخرة، فهوى النفس والشيطان يغلبان دوماً، ولكنْ للتنشئة دور أساس، ولهذا جسَّد الإمام البوصيري هذا الموقف عندما قال:

(والنفسُ كالطفلِ إن تهمله شبَّ على

حُبِّ الرضاع وإن تفطمْه ينفطمِ)

في هذا السياق لا ينبغي أن يفوتنا أن سيدة الغناء العربي «أم كلثوم»، التي تألقت في عالم الغناء على مدى خمسين عاماً، لم يكن دورها إسعاد المستمعين بشدوها، وإشاعة البهجة في قلوبهم فقط، وإنما كان دورها أعمق من حيث الارتقاء بأذواقهم وحسّهم، من خلال اختيارها الكلمات العذبة والمعاني الجادة، ومنها قصيدة نهج البردة للشاعر الكبير أحمد شوقي ومنها:

(يا نفسُ دُنياك تُخفي كل مبكيةٍوإن بدا لك منها حُسنُ مُبتسمِصلاحُ أمرِك للأخلاقِ مرجعُهفقوِّم النفسَ بالأخلاق تستقمِوالنفسُ من خيرِها في خيرِ عافيةٍوالنفسُ من شرِّها في مرتعٍ وَخِمِ)

وبعد.. فإن النفس أمَّارة بالسوء إلّا من رحم ربي، فإن لم تخضع لعملية تقويم ذاتي مستمر لترويضها وتطويعها إلى الخير، فإن عملية الإصلاح الاقتصادي الذي يتوخَّاه الجميع في ظل معضلة إدارة الذات تبقى مستحيلة، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه، وحديثي موجَّه إلى الذات، وأسأل الله في إدارة حكيمة للذات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store