Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

«حكاية رحلة» أول متحف زراعي متخصص

«حكاية رحلة» أول متحف زراعي متخصص

ساعد: نتطلع إلى تسجيله رسمياً في الوزارة

A A
لئن كان تأسيس المتاحف - في الغالب - يقوم على جمع المفردات التراثية، بلا تخصيص، والعمل من ثمَّ على تصنيفها وفق فلسفة كلّ متحف ورؤيته؛ فإن «متحف حكاية»، بالأطاولة ينتهج فيه مؤسسه علي سعد ساعد، نهجًا جديدًا، معتمدًا في تنفيذه على مفهوم «الكيف» وليس «الكم»، مخصصًا المتحف بالكلية للنشاط الزراعي قديمًا، عارضًا القطع الأثرية التي كانت مستغلة في تلك الحقب، مع شرح لطريقة استعمالها، مرتجيًا من ذلك أن «يشرح المتحف نفسه بنفسه» عبر توظيف القطع الأثرية فيما صنعت له، وذلك أمام المشاهد مباشرة، موفرًا لذلك مساحة مكانية شاسعة، داعمًا العرض بشروحات كثيرة تجعل الزائر يقف كثيراً ليقرأها، مع وجود مرشد شارح، إن لزم الأمر..

بداية الفكرة

برقت الفكرة في خاطر «ساعد» كما يقول في العام 1427هـ، فما تأخّر في التنفيذ حين استوت عنده، فشرع في التنفيذ في العام نفسه بقرية الأطاولة بمنطقة الباحة، مستعينًا بما لديه من بعض الأدوات الزراعية القديمة التي كان يملكها، داعمًا لها برسومات شارحة، أنجزها عامل إندونيسي كان يعمل لديه، تميز بحرفيته في الرسم والنحت.. وظل المتحف على هذا النحو مستقبلاً الخاصة المقربين من صاحبه ومؤسسه، غير متاح للعامة بعد، محتفظًا بقطعه نواة لمتحف مختلف الفكرة والهدف والتنفيذ، ينتظر الوقت المناسب لإبرازه..

فلسفة الاسم والمكان

وعندما حان الوقت خرج المتحف تحت لافتة «حكاية رحلة».. اسم له من تفاصيله نصيب، حيث خصص «ساعد» له حكاية واحدة من عشرات الحكايات وهي حكاية الماء ومعاناة المزارعين وربات البيوت في الحصول عليه، وذلك منذ عهد السواني؛ وهي الثيران والغروب، وهو وعاء مصنوع من الجلد يملأ من البئر، ثم تجره السواني لتفرغه في حوض واسع خارج البئر يسمى «القُف»، ومنه يسير في أقنية للمزرعة في عمل لا يخلو من المشقة..

ولما كان المتحف هو «حكاية رحلة» مع الزراعة وأدواتها، فقد انتفت الحاجة عند مؤسسه «ساعد» إلى نمطية الأركان التي تسم المتاحف الأخرى، فقد استعاض عن مفهوم الأركان، بفكرة «التحقيب» وفقًا للمراحل، مبتدئًا بالمرحلة الأولى؛ وفيها عرض لمجسمات تحكي طريقة استخراج الماء وتوظيفه قبل عهد المضخات الآلية ذات الوقود البترولي كالبنزين والديزل..

الطرق والوسائل

ثم تليها المرحلة الثانية، والتي عنيت بطرق ووسائل استخراج الماء بالمضخات، مع عرض معاناة الناس فيها وخطورة ممارستها، مستشهدًا بمجسمات تحكي حوادث الآبار التي مات فيها كثير من الرجال في سبيل قطرة ماء غالية..

منتقلاً من ثم إلى المرحلة الثالثة، وما صحبها من تغيير جذري في نوع الآبار من العادية إلى الارتوازية، واستخدام الكهرباء في استخراج الماء، عوضًا عن مضخات الوقود الخطرة..

وفي المرحلة الرابعة يمضي بك «حكاية رحلة» إلى الزراعة الحديثة، وفي فضائه نموذج من الزراعة المائية وشرح لها..

لتختتم «الرحلة» في طورها الخامس مع الري الجذري العميق للأشجار بواسطة الأنابيب المسامية، لري الجذور مباشرة، بوصفها آخر ما توصل له العلم من تقنية ترشيد استهلاك المياه في المزارع.. وحين ينتهي بك التطواف عند هذه المرحلة لابد وأنك ستتفق مع مؤسس المتحف بأن «الماء كان في الماضي متوفرًا؛ ولكن سبل استخراجه كانت صعبة، وأما اليوم فوسائل استخراجه سهلة ميسورة، غير أن الماء أصبح قليلاً، بما يستوجب ترشيد استهلاكه بأحدث الطرق وأسلمها وأيسرها».

تحفة فنية

كما ستلاحظ أن المتحف لا يعتمد على المقتنيات الطبيعية، شأن متاحف كثيرة تهتم بجمعها؛ بل يهتم بطريقة استخدام تلك المقتنيات وجعلها تحفة فنية تشرح نفسها بنفسها، فمثلاً في مجسم السانية والماء جمع عدة أدوات مثل: الغرب، والرشا، والعراقي، والمقاط، والضمد، والرعلان، والسهمان، والمحالة، والدارجة، والطي، والعارضة، والثقالة، والبئر، والقف، والمخرة، والمجرة، وهذه مفردات تراثية لو أراد أن يحوزها بحجمها الطبيعي لاحتاج لغرفة كاملة مع شروح توضيحيه كثيرة أو لموظف مرشد أو لأكثر، فاستعاض عن ذلك بجمعها وتوظيفها بطبيعتها دون شرح، في مجسم لا يتجاوز نصف متر مربع، بما وفّر المساحة والجهد والزمن، وقرّب الصورة لزائر المتحف.

المكان

أما اختيار المكان فما خلا من فلسفة أيضًا، فلقد كانت الفكرة تعتمد أن يكون المكان ضمن إطار السوق والقرية الأثرية والوادي التراثي ليكون من السهولة على الزائر المرور على المتحف، فكان المكان المناسب هو بيت الوالد سعدي بن مفرح العطيف - رحمه الله - كونه منفصلاً ومتصلاً بالقرية الأثرية، فتم التفاهم مع أصحاب البيت لتنفيذ الفكرة فيه، فكان تجاوب العميد سعيد بن سعدي كبيرًا للاستفادة من المكان.

معاناة وحل

لقد كان العمل في تنفيذ مشروع المتحف ميسورًا لـ »ساعد» حين كان العامل الإندونيسي البارع عونه في الرسومات الإيضاحية، لكن معاناته اليوم كبيرة فهو يشكو من عدم وجود الفنان المبدع في هذه الباب، فبعد أن خرج ذلك الفنان ولم يعد توقف العمل في الفكرة ثم سافر إلى مصر وإندونيسيا بحثًا عمّن يكمل الفكرة، دون جدوى، فما وجد الحل الأمثل إلا في تقنية الرسم، وخاصة الرسوم ثلاثية الأبعاد، ومن ثم طباعتها بطابعات خاصة التي تحاكي الواقع، واعدًا بأن يكتمل المشروع قريبًا عبر هذه التقنية الحديثة.

صيت وحفاوة

لم تكن عناية «ساعد» في متحفه «حكاية الرحلة» بالآلة فقط، وتوثيق تاريخها، وعرض استخدامها، فقد قرن ذلك بالتوثيق للرجال الذين أبدعوا هذه الآلات، وطوّعوا واقع الطبيعة من حولهم لتلائم حاجتهم للعيش الميسور، فظهرت عبقريتهم في ما أنتجوا من آلات وسبق زمانهم بأفكارهم الزراعية التي لم تكن موجودة في أوانهم؛ بل كانت خارقة للعادة بمنظور ذلك الزمان، فمنهم من أبدع في طريقة تكاثر الأشجار، ومنهم من غير أسلوب الزراعة، ومنهم من قدم المساعدة للأسر دون مقابل.. وكلها شخصيات من الأطاولة، رافعًا ذكرها، معيدًا لها حقها الأدبي في ما أنجزت، ليكتسب المتحف بذلك بعدًا من الوفاء.. لذلك تجد أن أبرز محتويات المتحف في كل مرحلة من مراحله هو الإنسان، مستشعرًا أنه من السهل اقتناء الأدوات القديمة والحصول عليها مهما صعب الجهد أو تيسر، ومن ثم إحضارها وتصفيفها وتصنيفها وعرضها كقطع أثرية لها قيمتها المادية والحسية، ولكن سيبقى العنصر المفقود دومًا هو الإنسان الذي صنعها واستخدمها وجعل لها قيمة مادية ومعنوية، وهذا ما حاول المتحف جاهدًا استدراكه بإبراز دور الإنسان، بوصفه صانع الحضارة، والذي لولاه لما رأينا تلك القطع الأثرية الثمينة تعرض هنا وهناك وهي تحكي إرثًا حضاريًّا ملهماً مراحل وتحديات الرحلة..

11



جهد جماعي

يدين «ساعد» بالفضل لجمعية التنمية بالأطاولة - بعد الله - في حفز الهمة وتلاقح الأفكار، وحرصها الشديد على تقديم كل ما هو جديد، مرتئيًا أن ذلك «جعله يفكر خارج الصندوق»، في إنجاز هذا المتحف، وبما أتاحوه من المشاركة معهم دون قيد أو شرط رغم أن المتحف يعد خاصًّا، رافضًا أن ينسب النجاح لنفسه منفردًا، مؤكدًا أنه حصيلة عمل جماعي من أسرته مجتمعة، التي أعدت المتحف وجهزته في البيت أولاً قبل عرضه في المتحف بالتصاميم والألوان والترتيب والتنسيق، ثم تجهيز المتحف وانتقال لعرض المقتنيات في مكانها، منجزين ذلك بروح الفريق، كلٌّ في تخصصه، فهو صاحب الفكرة والإشراف العام، أما التصميم على الكمبيوتر فتولته ابنته «أمل»، فيما تولت أختها «هاجر» اختيار الألوان، وتنفيذ كل ذلك وقع على عاتق ابنته «أروى»، أما التنسيق والمتابعة فكان لزوجته «أم عبدالله». ويمتد عرفان «ساعد» لأخيه خضران بن سعد، وابن اخته أحمد بن خضران غازي، والفني الزراعي محمد تمساح، لدورهم الفاعل في مهمة إنجاز مكان المتحف في وقت قياسي، بما اشتمل عليه من تنظيف وتمديدات الكهرباء والماء، ونقل الزرع وعمل شبكة الري الحديثة وفرش المداخل والطرقات.. باسطًا الشكر لكل من أبدى ملاحظة أو قدمًا نقدًا بنّاءً للمتحف، باستدراك من غفل عن ذكرهم في المجال المخصص للمتحف وهو موضوع الماء والزراعة فقط، فيعود إلى إدراجهم، بما يجعل الباب مفتوحًا لمزيد من الإضافات متى ما كان ذلك مثريًا ومفيدًا للمتحف وفكرته.

ننتظر الاعتماد

ويضع «ساعد» أمر اعتماد المتحف رسميًا ضمن أهدافه المستقبلية، مركزًا في الوقت الحاضر على إنجاح التجربة بتجويد الإعداد والتخطيط، بما يكسب المتحف شخصيته المرسومة، وعندها سيتم الطلب من الجهات الرسمية لاعتماده، خاصة أن المتحف على حداثة عهده حظي بزيارات لشخصيات مهمة من أبرزهم وكيل وزارة الصحة سابقاً الدكتور ابراهيم بن حافظ الغامدي، بما يمهّد الطريق لتسجيله رسميًا في المستقبل القريب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store