Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد الظفيري

الطيبون.. هِبة الله لنا في هذه الحياة

A A
قضاء شهر رمضان في مدينة كبيرة كـ»الرياض» بعيداً عن قريتي، يزرع في قلبي حنيناً لا يُمكن وصفه، ليست القصّة في الأكل، ولله الحمد في بلادي المملكة العربية السعودية المساجد في رمضان بجانبها تُقام الخِيَمْ الرمضانية العامرة بأصناف الطعام، والمطاعم لمن يملك ومن لا يملك، ستجد الخير يُعطى ومجّاناً، والمنازل أبوابها مفتوحة وأهلها مُرحبّين بالجميع، لكنه الحنين للأُم والأب، والصديق والجار، لعاداتنا هناك، لـ»ديوانيتنا» بعد الفطور، ولـ»غبقة» البر اليومية أنا وأصدقائي، للتواصل مع من يفتقدونك وتفتقدهم.

لكنها الحياة، تدفعنا للسفر بعيداً عن أحبتنا.. وطلب الرزق، والأمل بأن تُقدّم لوطنك مما تملك من معرفةٍ وموهبة شيئاً يستحقه، لترُد له شيئاً ولو يسيراً من عطاءاته لك، في العمل، لديّ أصدقاء رائعين، أُحبهم جداً.. معهم أتحدث على سجيّتي، لا أُفكر في كلماتي، لأنني أمام أشخاص يعرفون ما في قلبي.. هم يُشبهون في طيبتهم معي؛ الأنقياء الذين لم تُلوثهم الحياة.

أحدهم هو «سعود السبيعي»، والذي كُلما أردتُ السفر ناداني: «ناقصك شيء؟، أسألك بالله تراني أخوك»، يُغرقني بكرمهِ وطيبتهِ وبكلمات الحُب هذه، أشكره وأمضي، وأنا أدعو الله له بأن يحفظ له أُمه، ويغفر لأبيه، ويُديم عليه وعلى أحبابه الستر والصحة.

الآخر، ابن قرية بعيدة مثلي، هو سلطان بن ربيعان، القادم من «نِفِيْ»، أحببته جداً، لهجته البدوية وثقافته العالية، وأدبه الجمّ وتعامله الراقي مع زملائه وزميلاته، يجعلني دائماً أفخر بأن الحياة جمعتني به، لا يمكن أن أتصل عليه إلاّ أطلق عليَّ الأيمان بأن أُفطر معه بالاستراحة، وأُلبي طبعاً.. لأن الأيمان التي يُطلقها تجعلك قسراً تُلبي دعوته.

في استراحة أبناء عمومة بن ربيعان، وجدتُ مجموعة من أبناء قريته، لكُلٍ منهم حكايته، تجمعهم لهجة واحدة ساحرة، وباذخة الجمال، وتختلف قصصهم، جميعهم يخدمون هذا الوطن، ومن مواقع مُختلفة، مُحبين لحياتهم، ومُجتهدين في صناعة حياة لهم ولمن خلفهم في تلك القرية البعيدة، كُرماء جداً، أكبرهم سناً كأبيهم في تعامله معهم، «وين أبوزيد؟، وين منصور؟، صحّوا مرزوق.. داومت سلطان»، يهتم بأدق تفاصيل حياتهم.

سلطان أصبح كُل مرّة يتصل عليَّ؛ ليختلق عذراً لكي أُشاركهم فطورهم المليء بالضحكات الجميلة، والقهوة الكثيرة جداً جداً، والتمر الذي ما زال طعم خلطة الدخن والسمن معه في قلبي وليس فمي.

سيقرأ سعود السبيعي هذا المقال، وسيقول أنت أخي «وما بيننا جمايل»، كما سيقرأ سلطان بن ربيعان هذا المقال، ويقول «عليَّ الحرام لتفطر معنا، والدخن بالسمن جاهز تراه»، وهكذا هُم الطيبون، بلسم لأشياء نُحاول إخفاءها عن الآخرين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store