Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

كلاكيت 19 مرة

A A
يبدو أن هموم الناس البسطاء، الذين يعيشون بمعزل عن الرفاهية، وعن سبل العيش الكريمة، أصبحت بنظر الإعلام المرئي أمورًا ثانوية، أمورًا لا تجلب سوى الفقر والتعاسة، أمورًا ليس لها أي عوائد مادية أو دعائية، لذلك استحالت غالبية المسلسلات والبرامج المحلية، نسخه مقلده لبثوث التيك توك؛ تدغدغ الغرائز، تأجج المشاعر، وتروج للإسفاف والتهريج والسخافة!!

منذ عقدين، والمشاهد السعودي يلعب برمضان دور المخرج المساعد، وكأنه يحمل غاضباً متململاً اللوح الخشبي الأسود ويطرق جزئيه بصوت مسموع، ويقول اسم المسلسل ثم: كلاكيت 19 مرة "أكشن"، ليعاد عليه نفس الكركترات المبتذلة، النكات البايخة، والاسكتشات السامجة!!

لقد حرص (طاش العودة) على رصد تطورات وطننا بكافة الأصعدة لكنه نسي بالمقابل أن يطور من نفسه ويفسخ عباءته القديمة المترهلة، لقد ظهر (منهو ولدنا 2) بنص تائه، أفيهات مكررة، كوميديا هابطة (كلعب بلايستيشن بالشركة) وإن لم يتوقف عند الجزء الثاني فستحترق نجومية أبطاله، أما برامج المقالب والتقليد وعلى رأسها (رامز نيفر اند) و(استديو 23)، فهي أشبه ما تكون بـ(دكاكين أبو 5 ريال) تبهرك وهي على ناصية الشارع بأضوائها وديكوراتها قبل أن تصدمك عند دخولك إليها ببضائعها المقلدة والرخصية!!

كذلك (شباب البومب 11) رغم محاولاته الخجولة كشف المخاطر التي تكتنف طريق المراهقين، إلا أنه غارق بالرتابة والسطحية، وكأن النمو الجسماني والفكري لأبطاله وصناعه توقف عند أول اجزائه، أما (برودكات) فقد تميز بخفة دم الممثلين وتوليفتهم المتناسقة، والذين بالكاد تحرروا من لعب الأدوار الثانوية وعانقوا البطولة، لكن لسوء الطالع لم يظهروا بعمل كوميدي متكامل، يمكنه تفجير طاقاتهم التمثيلية العالية، وإنما بمسلسل اسكتشات (مشاهد كوميدية قصيرة)، أعادهم للمربع الأول عند بزوغ موهبتهم بالمسارح المدرسية!!

لقد حورت (الشللية)، الهدف الرائد للأعمال الفنية من نشر الثقافة للبهرجة الفاضية، ونجحت بغرس فكرة (شح النصوص الكتابية) حتى انطلت الحيلة على المنتجين وصناع الدراما، فتحنط مؤلفو الفلس كالمومياء بالقنوات الفضائية، والتي أعطت بالمقابل ظهرها للقصص والروايات الأدبية، وغضت الطرف عن المقالات الصحفية التي تعج بالأفكار الثقيلة خاصة تلك التي نجحت بتحقيق (الترند) لعمقها وسخريتها اللاذعة، ولو منحوا كتابها فرصة تأليف أعمال تليفزيونية لخلدت الأعمال الفنية المحلية ودخلت سباق المنافسة مع أضخم الأعمال العربية؛ الأجهر، الزند، جعفر العمدة.

على فكرة يمكن للعمل الفني أن يتطرق للقضية الاجتماعية بشكل غير مباشر وبقالب درامي ساخر أو تراجيدي عميق يؤسس لتجربة فريدة ومفيدة، وبالطبع لن يتأتى ذلك بالاستعانة بمشاهير الفلس، وإنما بتنظيم ورش كتابة محايدة تضم أشهر كتاب المقالات الوصفية والقصصية، عندها سنستمتع طوال العام بأعمال فنية محترمة وهادفة تؤصل لدى الناس البسطاء مفهوم (الفن رسالة).

عندها سيلعب المشاهد السعودي دور المخرج الرئيسي، وكأنه يحمل فرحاً متحفزاً اللوح الخشبي الأسود ويطرق جزئيه بصوت مسموع، ويقول اسم المسلسل ثم: كلاكيت أول مرة "أكشن"!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store