Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

رمضان والحياة الاجتماعية

A A
عندما يأتي رمضان يشعرك البعض بوعظه أنه شهر التباعد الأسري وإقصاء الزوج عن زوجته وأنه شهر تبتل وانقطاع، ومجافاة الحياة والبعد عن العائلة وإيقاف كل العلاقات الاجتماعية والأسرية والتفرغ فقط للعبادة صومًا وصلاة، كل ذلك وأكثر يشعرك به من اتصف من لا يعرف حقيقة أهداف شهر الصوم.

إن من أهم أهداف فريضة الصوم في رمضان هو التقارب العائلي وتمتين العلاقات الأسرية والاجتماعية وتلاحمها والتواصل مع الأقارب وتفقد أحوالهم فمنذ أول ليلة من ليالي رمضان يتم التواصل مع الأقارب بالتهنئة وتكون المباركة بدخول الشهر وتفقد المريض منهم لزيارته ومن هو محتاج للمساعدة وتكون لغة الابتهاج حاضرة خاصة بين الأبناء والبنات من جهة وبين الأباء والأمهات من جهة أخرى للمباركة بالشهر، فكيف بالله عليكم يأتي شهر رمضان وأحد الأبناء لا يرى أباه أو أمه للمباركة بدخول الشهر وأن يكتفي بالاتصال بالهاتف فقط أو عبر الرسائل الميتة في الوتس آب.. أليس هذا نوع من أنواع العقوق والانقطاع العائلي حتى ولو تفرغ تمامًا للعبادة..؟ إن الحضن الذي منحته الأم أو الرعاية التي قدمها الأب للأبناء في الصغر يحتمان الحرص كل الحرص على رد الجميل بما هو أجمل منه، وهذه المناسبات الحد الأدنى في رد الجميل.

يبالغ البعض كذلك في وعظه وفهمه فيما يخص العلاقة الأسرية والتدخل حتى في العلاقات الهرمونية بين الزوجين خلال شهر رمضان فيشدد في مسألة التلاقي الهرموني بين الزوجين ويجعله من الأمور المستهجنة مع أن الله سبحانه وتعالى أعلن اباحته حيث يقول سبحانه وتعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) سورة البقرة، فكلمة باشروهن توضيح لما أراده الله سبحانه وتعالى من إباحة اللقاء الهرموني ليلة الصيام، فتجريد رمضان من ذلك ووصف أنه يجرح العبادة فذلك غير هدي الله، فالعلاقات الزوجية خاصة من حديثي الزواج أمر ملح وفطري والابتعاد عنه نهارًا وليس ليلاً هو المقصود لأنه مبطل للصوم وفيه كفارة وقد حدث أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جامع أحد الصحابة زوجته في نهار رمضان فنزل التشريع لمعالجة ذلك لعلمه سبحانه وتعالى بالنفس البشرية وجعل الكفارة تدريجية بعتق رقبة ثم صيام شهرين ثم إطعام ستين مسكينًا، وباشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه لمعالجة الموقف فلما وجده لا يستطيع على عتق الرقبة ولا صيام شهرين ولا إطعام ستين مسكينا بادر مع الصحابة بالقيام عنه في ذلك، إنها البساطة في التعامل مع الأخطاء الاجتماعية.

لقد كان عليه السلام في العشرين الأولى من رمضان مستمرًا في تعزيز العلاقات العائلية والزوجية حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها تقول كان عليه السلام يقبل وهو صائم، أما البعض من زوجات اليوم ما أن يدخل رمضان إلا وتدخل في برنامج الابتعاد والمجافاة وتحريم حتى القبلة، فالتوسع في مفهوم الدور الاجتماعي لشهر رمضان مطلوب وليست الصدقات والزكوات إلا إقرارًا لهذا المفهوم الاجتماعي حيث في رمضان تنتشر مبادرات البحث عن الأسر الفقيرة وإعداد سلات غذائية لهم، فشهر رمضان شهر العوائل كما يقولون حيث يتم فيه تكثيف الزيارات واللقاءات الاجتماعية خاصة دعوات الفطور والسحور ولقاءات العائلة الواحدة وليس التباعد الأسري والتجافي الاجتماعي واعتبار رمضان شهر عبادة مجردة من تحقيق الأهداف الاجتماعية والعائلية والأسرية فرمضان يجمعنا ورمضان همزة وصل وليس همزة قطع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store